08‏/06‏/2015

هل حلمت بهذا الرجل مسبقًا ؟ ربما لا

٢٠١٤٠٧٠٧-٢١١٠١٨-٧٦٢١٨١٦٥.jpg
هل حلمت بهذا الرجل ؟ ربما لا، لكن دعونا لا نستبعد ذلك الآن.
انتشرت صورة في انحاء شبكات التواصل الإجتماعي ومواقع الإنترنت ، كموجة غريبة أثارت حيرة كل من شاهدها ، قد يتذكرها من رآها في الفترة من 2006، 2009، أو حتى 2011 . هذه القصة اخذت بالانتشار ومع انتشارها بدأت تتزايد وتتداخل الأقاويل ، ولنخوض في تفسير ماحدث ، وجب علينا معرفة القصة الحقيقية أولا وهي كالتالي : 
((( في عام 2006، أثناء جلسة علاج نفسي، قامت إحدى المريضات لدى طبيب نفسي مشهور برسم وجه لرجل خشن الملامح قالت بأنها تراه باستمرار في أحلامها، وبأنه دائما ما يقدم لها نصائح بخصوص حياتها الشخصية.
المرأة أقسمت بأنها لا تعرف هذا الرجل ولم يسبق لها رؤيته أبدا في عالم الواقع.

لحد الآن القصة عادية، امرأة رأت رجلا ما في أحلامها أكثر من مرة، لا شيء ملفت للنظر البتة .. حتى الطبيب النفسي لم يكترث للأمر كثيرا، فقد تعود على سماع هكذا أحلام و”ترهات” من مرضاه. ولهذا فقد نسي الموضوع فورا وأهمل الصورة التي بقت بين أوراقه على المكتب.
لكن بعد عدة أيام، أثناء جلسة علاج مع مريض آخر من مرضاه، وبينما كان الطبيب يقلب أوراقه على المكتب، صرخ المريض فجأة قائلا : “هذا الرجل!!”.
للوهلة الأولى لم يدرك الطبيب ماذا يعني المريض، لكنه أنتبه إلى أن أصابع المريض كانت تشير إلى صورة الرجل التي رسمتها مريضته قبل عدة ايام.
الطبيب سأل المريض : “ما بال هذا الرجل .. هل تعرفه ؟”.
المريض : “أنا لا أعرفه .. لكنه يأتيني دوما في أحلامي”.
الطبيب وهو يشير إلى الصورة : ” تعني هذا الرجل المرسوم هنا .. هل يأتيك في أحلامك؟”.
المريض : “نعم .. أراه باستمرار .. وغالبا ما يوجهني ويعطيني نصائح حول حياتي”.
كان هذا أغرب رد سمعه الطبيب في حياته .. فكيف يعقل أن يظهر نفس الرجل المجهول في حلم شخصين لا يعرفان بعضهما!.
ما حدث في تلك الجلسة كان غريبا ومحيرا إلى درجة أن الطبيب بعث بعدة نسخ من صورة ذلك الرجل الغامض إلى عدد من زملائه الأطباء النفسيين، أخبرهم بتفاصيل القصة، وطلب منهم أن يعرضوا الصورة في عياداتهم، لعل مرضى آخرين يتمكنون من التعرف إليه.
المذهل أن الطبيب تلقى خلال الأشهر التالية عدة اتصالات من زملائه أخبروه فيها بأن عدد من مرضاهم أقسموا بأنهم شاهدوا رجل الصورة في أحلامهم. ومن هنا بدئت حكاية الرجل الغامض الذي أطلق الناس عليه أسم (THIS MAN )، أي هذا الرجل، لأن الأشخاص الذين زعموا رؤيته في الحلم كانوا يصرخون دائما عند رؤية صورته قائلين : “هذا الرجل!”.
ومنذ عام 2006 حتى اليوم قال أكثر من ألفين شخص حول العالم بأنهم رءوا هذا الرجل في أحلامهم .. أشخاص من دول وثقافات ولغات مختلفة .. من لوس انجلوس ، برلين ، سان باولو ، طهران ، بكين ، روما ، برشلونة ، ستوكهولم ، باريس ، نيودلهي ، موسكو الخ .. جميعهم اتفقوا على رؤية هذا الرجل في الحلم، وكانت لهم قصص غريبة معه. وجميعهم أيضا قالوا بأنهم لم يعرفوه ولم يسبق لهم رؤيته في حياتهم الواقعية.
لا شخص في هذا العالم بأسره أستطاع التعرف على هذا الرجل ذو الملامح الغريبة.
لكن مهلا .. هل هذه قصة حقيقية؟! .))).) (١)
لقد أصبح هذا الرجل ظاهرة في حد ذاته، مع حياة خاصة به! . القصة الرئيسية لها موقع الويب الخاص بها، وكانت محور حديث العديد من مواقع الإنترنت على مر السنين. على الرغم من أنها قد قيلت مرارا وتكرارا، عبر العديد من بلوقات ( مدونات ) ، بما في ذلك مدونة io9 و Neatorama ، الشهيرتين ، فضلا عن العديد من المدونات الأقل شهرة، وانتشرت في المنتديات والشبكات الاجتماعية، والتي لم تتغير حقا منذ اليوم الأول لطرحها . وإن بقاء القصة كل هذه السنين وبهذه القوة يوحي بشيئ عن حقيقةٍ ما ، وهذا ما سنصل إليه لاحقًا .
٢٠١٤٠٧٠٧-٢١١١٠٨-٧٦٢٦٨١٢٢.jpg
منذ نشأت هذه القصة، و هذا الرجل فكرة مثيرة للاهتمام ، حتى أنه شغل اهتمام عدة أشخاص، بل الآلاف من الناس على ما يبدو . فهل يمكن أن يحلم العديد من الأشخاص بنفس الشخص ؟ ، وأن يتم إعطاء نفس الوصف ؟ ، والتحدث عن نفس شخصية؟ من أُناس من جميع أنحاء العالم؟؟ . هل يتقاسم الناس في جميع أنحاء العالم نفس الحلم ؟ هل ذلك ممكن؟
٢٠١٤٠٧٠٧-٢١١١٥١-٧٦٣١١٢٤٣.jpg
إذا كانت نظرية Akashic Field ( مجال الأثيري أو مجال عكاشة ) (٢) لإروين لازلو صحيحة ، فإنه قد يكون من الممكن أن يتبادل عدة أشخاص عناصر الحلم ذاته . حتى في حال لم يكن أحدًا على معرفة بالآخر ، فنظرية لازلو تخبرنا بوجود طاقة أساسية أو حقلٍ من الطاقة يحتوي على كافة المعلومات من الكون وفي الكون نفسه ، والتي يتم الوصول إليها من قِبل عقولنا والتي هي أساس الوعي . نظريته معقدة جدًا ، وتستند إلى الرياضيات المعقدة جدا، لكنه يستشهد عموما بظاهرة معروفة في الفيزياء بإسم (مجال نقطة الصفر ) ، حيث لا وجود للطاقات أو للوجود الحاضر . المشكلة هي أن الباحثين وجدوا أن نظرية نقطة الصفر في الواقع تحتوي على حقل غامض وغير محدد للطاقة! . وهي الطاقة التي يعتقد لازلو ( وغيره ) بأنها هي حقل عكاشة Akashic.
انها نظرية غير مؤكدة ، ولكن إذا فكرنا في ذلك، فإنه يثبت و بشكل صحيح أن أفكارنا ليست ثابته في عقولنا ! ، ولكنها بدلا من ذلك فهي موجودة وتنتقل عبر الأثير أيضاً ! فإن صَحّ ذلك ، أفلا يمكن الوصول للبعض منا إلى نفس المعلومات في عقلنا الباطن من خلال الأحلام ؟
٢٠١٤٠٧٠٧-٢١١٢٤٦-٧٦٣٦٦٠٠٥.jpg
لذلك، بمعنى من المعاني، فإنه من الممكن من الناحية النظرية، أن يتشارك الكثير من الناس عناصر الحلم نفسه .
وعلى مر السنين، عُرضت العديد من النظريات التي تتناول الجوانب المختلفة لقضية ( هذا الرجل ) ، وتفسيرات فائقه للطبيعة مثل نظرية مجال عكاشة Akashic وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض الأفكار العائمة و المثيرة للاهتمام حول الموضوع .
و لشرح هذه الظاهرة من ناحية علم النفس ، يمكننا الإستعانة بكارل يونغ ومثاله المسمى بـ ( اليونغي – كناية لإسمه ). . فوفقا ليونج فإن هناك بعض الشخصيات التي تقبع في أنفسنا – مكونةً بذلك النفس البشرية جمعاء – و التي تميل إلى الظهور في عقلنا الباطن ، والتي يكون لها تأثير على النظرة الشخصية لدينا والطريقة التي نعمل على اتخاذ القرارات بها وحل المشكلات التي تواجهنا .

وجهة نظر اليونغي تحظى بشعبية كبيرة عند مفسري الأحلام ، وعلى هذا النحو فإن ظاهرة ( هذا الرجل ) يمكن اعتبارها ظاهرة رئيسية إقليمية حضيت على اهتمام مفسري الأحلام .

فمن خلال النظر إلى هذا الرجل باعتباره اليونغي أو النموذج الأصلي، فإن ( الاقتراح ) هو أن الرجل في السؤال، والرجل في الأحلام، لا وجود له في الواقع، ولكنه واحدة من تلك الشخصيات العالمية و الأساسية والتي تشترك فيها النفس البشرية. ويعتبر علم النفس اليونغي هو الدعامة الرئيسية لتأسيس علم النفس الحديث، وعلى الرغم من أن العديد من أفكاره – كارل يونغ – قد عفا عليها الزمن من الناحية الفنية، فقد لاتصمد نظريته كما يمكن للمرء أن يأمل، إلا أن تفسيره قد يكون ممكنا .
وبطبيعة الحال، فإن مثل هذا النقاش لن يستمر لدى البعض دون أن يقحموا الحديث عن وجود الكائنات بين الأبعاد، والمخلوقات الفضائية ، والحرب النفسية وجميع أنواع المواضيع الغريبة . حتى أن البعض أشار إلى أن هذا الرجل هو الله نفسه! والذي يظهر في أحلام الناس ليرشدهم ( والعياذ بالله – تعالى الله عما يصفون ) .
فهل هذا الرجل دخيل ؟ هل له كيان فعلي ؟ ، ويتفاعل مع الآلاف من الناس لمقاصده الخاصة ؟ سيكون ذلك ضربًا من المرح بلا شك ، ولكنه ليس من الضروري أن يكون صحيحا في هذه الحالة، فكما ترون ، الموضوع برمته مجرد خدعة.

فكما ذُكر من قِبل موقع KnowYourMeme.com ( وغيره من المصادر )، أن جذور هذه القصة تعود إلى أحد مسوقي وسائل الاعلام. هو الصحفي، و عالم الاجتماع والتسويق الاستراتيجي أندريا ناتيللا . ناتيللا، و المعروف أيضا باسم لوثر بيليست هو المالك الأصلي لموقع ThisMan.org، وأيضا هو صاحب وكالة إعلانات إيطالي تدعى ( الغوريلا للتسويق الإعلاني ) ، والتي تتخصص في خلق الخدع الغريبة لحملات وسائل الإعلام، من بين أمور أخرى . وإن موقع ThisMan.org هو موقع خاص لايمكن الدخول إليه إلا بالتسجيل للأشخاص المعروفين لدى الموقع ذاته ، إلا أنه من المعروف أن الموقع تم الحصول عليه لفترة وجيزة من قِبل شركة لإنتاج أفلام الرعب وبيوت الأشباح ، وفي الترويج لفيلم بعنوان ‘هذا الرجل’.(٣

٢٠١٤٠٧٠٧-٢١١٤٣٦-٧٦٤٧٦٢٥٥.jpg
فإذا نظرتم مرة أخرى في القصة نفسها، لوجدتم أن هناك بعض النقاط التي ينبغي أن يتم ملاحَظتها . وهي ما ذُكر بخصوص ما يسمى بـ “الطبيب النفسي المعروف” والذي لم يتم ذكره بالإسم في أيٍّ من المواقع التي نشرت القصة ، والتي يتم ذكرها عادةً بين الأقاويل المتبادلة . وليس لدينا أيضا أي فكرة عن وقت الرسم الأصلي والتحقيق اللاحق عنها ومتى تم ذلك ، وفي أي شهرٍ ولأي عامٍ حدث ما حدث؟ . فإذا كان هناك طبيب فعلاً ، مثل طبيب نفساني مهني معروف ، واجه مثل هذه الظاهرة بإسم (هذا الرجل ) ، فإنه من المضمون تقريبًا أن يتم نشر هذه الحادثة أو الظاهرة في مجلات وكتب علم النفس في جميع أنحاء العالم ، وهذا مالم يحدث .
وهنا تكمن المشكلة فعلى الرغم من أن : وقائع القضية معروفة نسبيًا، وأنها خدعة مشهورة كشهرة القصة الأصلية، إلا أن هناك من الناس الذين أقسموا أنهم حلموا بهذا الرجل في الصورة! . والرد واضح وهو أنهم يكذبون أو أنهم قد خدعوا أنفسهم بالاعتقاد أن حلمهم ذلك صحيحا! .
تشير النظريات الرائدة في مجال ميكانيكا الأحلام أن المناظر الطبيعية في الأحلام الفردية لدينا يتم ملؤها من قبل الذكريات ، وبالتالي فإنه يمكن أنهم قد رأوا الصورة أو القصة، ثم كان الحلم بعد ذلك. ممكن أن يكون ذلك . 
وأغلقت القضية لهذا الرجل بشكل نهائي. وتم الكشف على أنها خدعة بسرعة “نسبية” بعد نشر القصة الأصلية ، والقصة كفكرة هي في حد ذاتها، مثيرة للاهتمام للغاية، وأثارت قدرا كبيرا من النقاش حول كيفية حدوث مثل هذا الشيء وكيف يتم ذلك .
إن ما حدث في الواقع هو تجربة غير مادية تقريبا … ويمكننا أن نعتبرها تجربة ( فكرية ) ومع ذلك، فإن السيناريو للقصة يقدم الكثير من الحيرة التي تدعوت إلى التفكير، لذلك أينما وُجدت الخدع بشكل عام لابد أن يوجد معها كمية لا بأس بها من الأقاويل والتضخيم ، وربما هذه واحدة من القصص التي استحقت أن تأخذ وقتًا أطول . 
الهوامش : 
١- ما بين القوسين مقتبس من مدونة كابوس . 
٢- عكاشة هو معنى الكلمة السنسكريتية والتي تعني “السماء”، “الفضاء” أو “الأثير” وهي التي يقصد بها انتقال الأفكار والمشاعر عبر الكون لكل إنسان إلا أن هذه النظرية لم يتم قبولها بشكل رسمي في العلم الحديث .
٣ – يتحدث الفلم عن شخصية يراها الجميع في أحلامهم .
ترجمة وإعداد : كوين أوف بوكس/دلال المطيري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق