14‏/02‏/2016

إماطة اللثام عن قضية حُفر سيبيريا الغامضة ترجمة وإعداد المقالة : كوين أوف بوكس

الكثير من الأسرار الغامضة تحيط بنا في كل إتجاه وفور مشاهدتها يبدأ سيل التخمينات والإفتراضات التي قد يصطبغ بعضها بطابع خيالي بعيد جدًا عن الحقيقة ، لا شك أن حتى ما نحسبه سرًا قد لا يُشكّل خطرًا فعليًا علينا لكن ما بالكم في الأسرار التي قد تحمل في حقيقتها نهايتنا! وأحد ‏هذه الأسرار هو حُفر سيبيريا ‏التي ظهرت بشكل مفاجئ ! 

ففي منتصف شهر يوليو عام ٢٠١٤م ‏عثر طيار مروحية روسي ‏على ‏ثُقب ‏غامض ‏في الأراضي المتجمّدة ‏في منطقة يا مال في شمال روسيا ، ‏وسرعان ما أثار هذا الثقب اهتمام العالم أجمع وما زاد الطين بلّة على حد قولهم هو عثور رعاة الرّنة على حفرة أخرى بعد بضعة أيام من الأولى ثم ظهور ثالثة بعد ذلك .. والعدد يتزايد!!! 

‏تراوحت التفسيرات الغريبة ما بين ‏الصواريخ الطائشة ‏ ‏والنيازك و المخلوقات الفضائية! ولكن في أواخر يوليو أفاد فريق من العُلماء أنهم قد وجدوا إرتفاعًا غير عاديًا في قياس غاز الميثان بداخل الحُفرة الأولى  والذي يُعرف الآن بإسم B1 .

مجلة نيتشر نشرت القصّة في موقعها على الإنترنت يوم ٣١ يوليو من عام ٢٠١٤ وتحتوي القصّة التي نشرتها في ظهور هذه الحُفر المُريبة  في كون تفجّر غاز الميثان يعود سببه إلى ظاهرة الإحتباس الحراري الذي تعانيه الأرض .. وأن هذا هو السبب في ظهور هذه الحُفر وقد تقبّل العديد هذه الفكرة المزعجة ... حتى فبراير عام ٢٠١٥م عندما ذكرت ( سيبيريا تايمز ) ظهور المزيد من الحُفر في سيبيريا . وتكهّن عالِم روسي أنه قد يكون هناك ما بين ٢٠ إلى ٣٠ حفرة أكثر مما وُجِد حتى الآن! 

وأدى هذا التقرير إلى تقديم العلماء لمزيد من الإيضاحات والحلول والإفتراضات عما قد يكون سبب ظهور هذه الحُفر ، وأبسط تفسير بالنسبة لهم ، تلك التي لاتزال ذات صلة بظاهرة الإحتباس الحراري ، ولكن الإحتباس الحراري لايحتوي على ( قوة ناسفة تؤدي إلى خروج غاز الميثان )! 

كُتِب في سيبيريا تايمز يوم ٢٣ فبراير ٢٠١٥ م ما يلي : 

( وقد ساعد الفحص بإستخدام صور الأقمار الصناعية الخبراء الروس لأن يفهموا أن الحُفر أكثر إنتشارًا مما كان يتوقع أول مرة ، فقد ظهرت حفرة واحدة كبيرة تحيط بها ما لا يقل عن ٢٠ حفرة مُصغّرة .. ) 

العالِم موسكو فاسيلي بوغويا فلنسكي - نائب مدير النفط ( ومقرها موسكو ) ومعهد بحوث الغاز ، وهي جزء من الأكاديمية الروسية للعلوم - دعا لـ" تحقيق عاجل عن الحُفر " ونقلت عنه في سيبيريا تايمز قوله : 

( نحن نعلم الآن عن وجود سبعة حفر في المنطقة القطبية الشمالية.  خمسة منهم مباشرةً على شبه الجزيرة يامال ، وواحدة بجانب يامال ، وواحدة على شمال منطقة كراسنويارسك ، بالقرب من شبه جزيرة تايمير . لدينا المواقع الدقيقة لأربعة فقط منهم ، وقد رُصِدت الثلاثة أخريات من قِبل رُعاة الرّنة . لكني متأكد من وجود المزيد من الحُفر على يامال ، نحتاج فقط للبحث عنهم .. وأفترض أنه قد يكون هناك أكثر من ٢٠ إلى ٣٠ حفرة ).

أربع حفر في منطقة القطب الشمالي، كلها وُجدت خلال العام الماضي.B1هو ثقب يامال الشهير، على بعد ٣٠ كيلومترا من حقل غاز بوڤانينكوڤو ، وهو حقل للغاز الطبيعي يقع في منطقة يامالو نينيتس في روسيا.B2هو الحفرة التي كُشف عنها مؤخرا وتبلغ  ١٠ كيلومترات إلى الجنوب من بوڤانينكوڤو . ويقعB3على بُعد ٩٠ كيلومترا من قرية أنتيپايوتا . ويقع B4 بالقرب من قرية نوسوكا ، على شمال منطقة كراسنويارسك، بالقرب من شبه جزيرة تايمير.(  الصورة الخضراء بالأعلى من فاسيلي بوغويا فلنسكي في سيبيريا تايمز ) . 

وقالت كارولين روبل رئيسة مشروع -هيدرات الغاز - وهي تابعة لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية لإيرث سكاي بتاريخ ٩ مارس ٢٠١٥ : أن وجود تفجيرات أدّت لظهور غاز الميثان ليس التفسير المُحتمل للحفر. وصحيح أن جليد سيبيريا يحوي كمية كبيرة من غاز الميثان المحصور في الجليد ويقوم بتشكيل ما يُسمي هيدرات الغاز ، لكنه لايزال متجمد ومستقر في درجة حرارة معينة ولكن إن ارتفعت حرارة الجليد وسبب هذا الإرتفاع بدرجة الحرارة  إلى نقصان بالقوة الداخلية للجليد فقد يكون ذلك سببًا في قلة القدرة على حجب هذا التراكم بالغازات تحت السطح ، وبالتالي إطلاق غاز الميثان! ذلك أمرٌ ممكن .!!

ولكن روبل ذكرت لنا بتصريح آخر أن : هيدرات الميثان بشكل عام في المناطق المتجمدة تكون غير مستقرّة فوق عُمق٢٠٠ مترًا ، لكن الحُفر أقل عمقًا بكثير من ذلك ، لذلك ترجيح كفة خروج غاز الميثان لوحده يعتبر أمرًا غير مرجحًا البته .

إنها - أي كارولين - وغيرها من العلماء يدعون لتقبّل التفسير الأبسط والمتعلّق بأكوام الجليد الذي يغطي الأرض في القطب الشمالي والمناطق شبه القطبية المعروف بإسم بينغو-Pingos-: 

فما هو المقصود بالبينغو ؟ يتحتم علينا الرجوع لما ذكرته ناشيونال جيوغرافيك عن ذلك في يوم ٢٧ فبراير عن تعريف هذا المصطلح وهو أن : البينغو هو كومة من الجليد  تتشكل بالقرب من السطح على مر الزمن مكوّنة تل صغير أو تلّة لها قمة ، وعندما يذوب هذا التل الجليدي - كما ذاب الكثير من الجليد بفضل الحرارة الدافئة على غير العادة في سيبيريا خلال العام الماضي - هذا الذوبان للجليد يُمكن أن يُسبب إنهيار جُزء من الأرض وتشكيل حُفرة .


لا يُمكن أن تكون هذه هي القصة كلها ! فمنذ العثور على صخور مقذوفة حول حافة الحُفر - مما يُشير إلى نوع من الإنفجار - لا يُمكن أن يكون الجواب هو ذوبان الجليد! وما قصة تلك الصخور المقذوفة بجانب الحفر إذًا؟!! 


( في الصورة اعلاه المقسمة لقسمين تظهر لنا صورة قديمة بواسطة الأقمار الصناعية للحفرةB2والبينغو (بأعلاه) ثم بالأسفل حيث الحفرة هي اليوم. في الجزء السفلي من الصورة و قد مُلأت الحفرة بالماء وأصبحت بحيرة،  و تشكّلت شبكة من البحيرات الصغيرة تحيط بها لما كان ٢٠ حفرة صغيرة سابقًا ).


هذه الصورة تثبت لنا إذًا أن خروج غاز الميثان المتفجر لم يكن السبب في الحفر - كما ذُكر في الصيف الماضي - وهذا يجعلنا نتسائل عن ما يمكن أن يعزي التركيزات المرتفعه بشكل غير عادي من غاز الميثان والتي تم ذكرها في الحفرة الأولى B1؟ 

قالت كارولين روبل لـ إيرث سكاي : 

هذا الجزء من سيبيريا يحوي أكبر نسبة احتياطي من غاز الميثان  ولذلك فمن المحتمل أن هذه الحُفر بشكل ما كانت ( تنقُر ) على نحو ما ممراتٍ أو طُرق مهجورة يحتوي تحت طبقاتها غاز الميثان ... وعمومًا ، حالة التّجمّد الدائم وذوبان الجليد المُستديم يرتبطان أحيانًا بغاز الميثان بشكلٍ كبير .

فغاز الميثان قد يكون محصورًا كالغاز الطبيعي في الأراضي المتجمّدة لفترة طويلة من الزمن . وقد لوحظت " ركلات " لغاز الميثان في الآبار الضحلة نسبيًا في شبه جزيرة يامال في الماضي ولذلك هذه الحُفر لاتعتبر أمرًا غير عادي في مثل هذه الأوضاع ، وعلاوة على ذلك فإن ذوبان الجليد يُحوّل الكربون بيولوجيا إلى ميكروبات التي يمكنها بعد ذلك من إنتاج غاز الميثان ، إذا العثور على الميثان في هذه الأماكن لا يُعد شيئًا صادمًا! 

وأضافت : لعله قد تم قذف الصخور عاليًا عندما كان غاز الميثان - والذي يحتوي في مكوناته على الغاز الطبيعي - في الطبقة المتجمّدة تحت تأثير ضغط وزن البينغو ، فأرتفاع درجات الحرارة أدى إلى إنهيار البينغو وتشكيل الحُفر . هذا السيناريو أقل إثارة وتخويفًا من الفكرة الأصلية التي تقول بإنفجار غاز الميثان وهو صاعدٌ فكوّن هذه الثقوب العملاقة . 

في الصيف الماضي عندما تم العثور على الحفرة الأولى ، ذكرت جامعة ستوكهولم ما أسمته في عناوينها ( أعمدة الميثان الضخمة ) الهروب من قاع المحيط المتجمّد الشمالي ، هذه الحفرة التي عثر عليها العلماء من على متن كاسحة الجليد أودن ، والتي كانت في القطب الشمالي في مهمة لإستكشاف وقياس انبعاث غاز الميثان من قاع المحيط . والميثان كما تعلمون هو أحد الغازات القوية والذي يُعتبر أقوى من غاز ثاني أكسيد الكربون ، وبعبارة أخرى ،يقول العلماء أن إرتفاع درجة الحرارة في المناخ من شأنه أن يُفرج عن غاز الميثان إلى الغلاف الجوي سواء عن طريق الأراضي الدائمة التجمّد أو عن طريق قاع البحر في القطب الشمالي ، وغاز الميثان هذا بإمكانه أن يرفع درجات الحرارة في الجو بسرعة أكبر من غاز ثاني أكسيد الكربون بحد ذاته ، وكلما ارتفعت الحرارة تسبب ذلك في خروج المزيد من غاز الميثان وبالتالي المزيد من إرتفاع بدرجات الحرارة ، إذا من ناحية التفكير بهذه الآليه وهذا الإحتمال ، فإن ظهور هذه الفجوات لم يكن مسببها إنفجار غاز الميثان يجعلنا نشعر بالإرتياح والطمأنينة أكثر . 

في الحفرة الأولىB1كما يتضح لنا في الصور أعلاه أن العلماء وجدوا جدرانها وكأنه تم قطعها بشكل متساوي ويظهر عليها الماء الذي يثبت ذوبان الجليد أو البينغو الذي كان في أعلاه ثم في أسفل الحفرة التي عمقها ٧٠ مترًا تقبع بُحيرة جليدية صغيرة في القاع وهذا يثبت النظرية الثانية التي تحدثت عنها كارولين روبل سابقًا . 

خلاصة القول : أنه كما ذكرت سبيريا تايمز أن ظهور ما مجموعة سبعة فوهات غامضة في سيبيريا في فبراير ٢٠١٥ والذي يتوقع العلماء إمكانية العثور على ٢٠ إلى ٣٠ حفرة أخرى ، لم يتم تشيكلها أو ظهورها نتيجة  إنفجار غاز الميثان كما تم تداوله سابقًا ولكن بصيغه أقل دراميتيكية أن المسبب الرئيسي لظهور هذه الفوهات هو الذوبان السريع للجليد الضاغط لما يُسمى ( بالمقابس أو بمعنى آخر البينغو ) وأن هذا الذوبان للجليد كان بسبب درجات الحرارة الدافئة على غير العادة والتي تعرّضت لها سيبيريا خلال العام الماضي . وبهذه النتيجة نُقفل مسألة هذا اللغز الذي حيّر الكثير منّا . كوين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق