10‏/07‏/2016

من بنى القمر؟



   لو أننا قلنا أن القمر ممكن أن يكون اصطناعيًا ، فإن ذلك يكون بمستوى عقلانية القول بأن القمر مصنوعٌ من الجبن الأخضر ! هذه الإستجابة العقلية هي نتاج كل ما نعرفه عن العالم الذي نعيش فيه ، فمعرفتنا بما حولنا تنتج عن طريق أمرين إثنين : أولاً هو ترتيب الأشياء في الكون من حولنا أو بعبارة أخرى ما نعرفه بـ " الطبيعة " أي أننا جُبلنا على وجود ذلك في الطبيعة ، ثانيًا هو ما نراه قد بُنِي يدويًا بواسطة يد الإنسان ، ومهما تقدّم مجتمعنا العلمي إلا أنه لا تزال هناك فئات تؤمن بما لا يمكن إثباته علميًا ، ففي استطلاع حديث للرأي تبيّن أن ما لا يقل عن اثنان وتسعون في المئة من الأمريكيين يقولون أنهم يؤمنون بالله والدراسات الإستقصائية الأخرى تشير إلى أن الملايين من الناس على قناعة تامة أيضًا بأن المخلوقات الفضائية قد زارت كوكبا . قد يكون الله موجودًا ، وكذلك المخلوقات الفضائية ، بناءًا على كُل ما نعرفه حتى الآن ، لكننا في هذا الكتاب سوف نتعامل مع الحقائق العلمية الثابتة . وعلى عكس الكثير من المحاصرين سياسيًا من الأوساط الأكاديمية ، نتائج دراستنا هذه التي نشرناها لن تكون مقيّدة لمطالب اتفاقيات محددة ، المعلومات التي ستُطرح هنا واضحة ، قابلة للإختبار ، ونحن نعتقد أنه لا يُمكن دحضها ، على الرغم من حقيقة أن القمر يكاد يكون من المؤكد أن عمره حوالي ٤،٦ مليار سنة . ونحن سنثبت بدون أدنى شك أن قمر الأرض لا يُمكن أن يكون كائنًا طبيعيًا ! ، ثم بعد ذلك وجب علينا أن نشرح بالتفصيل كيف تركت الوكالة التي صنعت القمر سلسلة من الرسائل المفصّلة لما تم القيام به ، ولمن تُركت لهم أو لمن لمن استولوا عليه ، لذلك ، وهنا التحدي الذي يواجهنا ، ضع جانبًا تشكيك الطبيعي ، وأقرأ هذا الكتاب بعقل منفتح ، وتحقق من الأدلة ثم إسأل نفسك .... من بنى القمر؟ لقد استشهدنا بثلاثة احتمالات ، وربما يخطر لك أكثر من ذلك ، ومع ذلك ، فإن آخر اقتراحاتنا يبدوا لنا أنه الأكثر ترجيحًا ، وهو مفهوم مثير للقلق ، مذهل ومثير ورهيبٌ تمامًا ، وإن كان هناك فرصة ضئيلة بأن هذا هو ما يمكن أن يكون هو الجواب الصحيح ، فسيكون هناك تحديًا جديدًا على العالم أن يواجهه.




من بنى القمر؟ 
الجزء الأول


يبدو أن السُّكان جميعًا قد قرّروا في وقتٍ واحد إخلاء كل المباني ، فمتلأت الشوارع ومواقف السيارات بسرعة بالناس الذين وقفوا تقريبًا جنبًا إلى جنب . وأنزل السائقون نوافذ سياراتهم ، وحتى الطيور تخلّت عن السماء لتتجمّع في صفوفٍ على طول المزاريب وأسلاك الهاتف ، لتتجاذب أطراف الحديث كأفراد جوقة موسيقية ليلية في غير محلّها ، وتفرقت الغيوم الرمادية الكبيرة لتكشف عن وجود آخر جزء من قرص الشمس . وبينما بدأت بُقعةٌ من الظلام تنمو ، خيّم الصمت على الطيور ، وبحرٌ من الوجوه تحوّل بَصَرَهُ إلى الأعلى ، في حين أصبح ثلاثةٌ من عُمال اللّحام  في مرآبٍ قريب أكثر شعبيةً فَوْرَ عبورهم خلال الظلام وأمام عدسات التصوير التي اتقطت إبتسامتهم مباشرةً على قرص الشمس المتناقص . ثم حانت اللحظة الحاسمة ... حان وقت الكسوف الكُلّي . اختفت الشّمسُ لعدة ثواني ، سامحةً لظلام الليل أن يُغطّي اليوم بأكمله . وبِبُطئ يظهرُ بريقٌ ساطِعٌ يُشبه الألماسة على خاتمٌ في قلب السماء . إنه كسوف الشمس الكلي الأخير للقرن العشرين في صباح يوم الحادي عشر من أغسطس لعام ١٩٩٩م . لقد بدأ ذلك عندما مَرّ القمرُ بين الشّمسِ والأرض قاذفًا بالظلال على إمتدادِ تسعةٍ وأربعين كيلو مترًا بإتجاه شمال المحيط الأطلسي إلى الجنوب مباشرةً لنوفا سكوتيا ، ثم اجتاحت هذه الدائرةُ السوداء الحبرية سطح المحيط  مرورًا فوق جزيرةِ سيلي ، قبالةَ الساحل الجنوبي الغربي من انكلترا ، وفي وقتٍ لاحق ، بعد مرور أربعين دقيقة  ، اتسع مسار الظلال ليُغطي مئة وثلاثة كيلو متراتٍ من الأرض ، وبِسُرعةٍ تقتربُ من ألفَ مِترٍ في الثانيةِ الواحدة . 

ثم انحني الظل الدائري ليُغطي أوروبا والشرق الأوسط قبل عبورِهِ للهند ليختفي أخيرًا فوق خليجِ البنغال . هذه الأحداث لا تحدث في الكثير من الأحيان في حياة الفرد لكنه من أن يُشاهدها لن يستطيع نسيان الكسوف الكلي للشّمس أبدًا . يحدث كسوف الشمس بالمُجمل مرتين إلى خمسة مراتٍ في السنة ، لكن المنطقة التي يُغطي مساحتها بشكل مجمل هي صغيرةٌ جدًا ، إذًا أي موقع مُعيّن على الأرض  لن يحدث له الكسوف الكلي للشمس إلا مرةً واحدة كُل ثلاثمئة وستين سنة!

يمكننا أن نتصوّر فقط كيف كانت الشعوب البدائية تخشي على حياتها وهم يشاهدون مايبدو وكأنه الشمس وهي تنطفئ أمام أعينهم! لا شك أن الكهنة الفلكيين في العهد القديم حاولوا السيطرة على الناس من خلال وجود قوة سحرية على ما يبدو للتّنبؤ على مثل هذه الأحداث المرعبة ، لكن حتى في أيامنا هذه لا يزال كسوف الشمس أمرًا سحريًا وغامضًا ، إنه لأمر غريب فعلاً أن يكون قرص القمر يبدو لنا من منظور دنيوي بنفس حجم الشمس بالضبط ! نحن بالطبع نعلم أن الجسمين يتم النظر لهما من سماء الأرض ، وكونهما من هذه النقطة المرئية يتساويان في الحجم لهو أمرًا مُعجز بالتأكيد . معظم الناس يدركون تمامًا أن القمرَ صغيرٌ بالمقارنةِ مع الشمس ، بل هو أقرب إلينا منها وبذلك تسبب في ظهورهما كقرصين متساويين ، ولكي نكون دقيقين فإن القمر أصغر من النجم الذي بمركز نظامنا الشمسي ( الشمس ) بأربعمئة مرة ، وكذلك فإن الشمس أبعد عن القمر بأربعمئة مرة ولذلك نحن نراهما متطابقين ! هذه المصادفة المسلية من النظام العددي العشري ، إن احتمال حدوث هذا الوهم البصري بمحض المصادفة لهو بعيدٌ جدًا ، لازال الخُبراء يحتارون بشدة من هذه الظاهرة . 

اسحاق عظيموف ، وهو أشهر كاتب للخيال العلمي ، وقد عُرِف باحترامه للعلماء ، وصف هذا التوافق البصري بأنه " مثالي وأنه من غير المرجح أن يكون ذلك صُدفةٌ أو خيالٌ " .

هذا التوافق المثالي لخسوف الأقراص هو منظور إنساني جدًا لأنها تظهر بهذا الشكل المثالي فقط من وجهة نظر شخص يقف على سطح الأرض . إن حركات القمر السحرية فوق رؤوسنا تذهب إلى مستوياتٍ أكثرُ ذهولاً من هذا ، ففي مصادفة غير مفهومة تمامًا في الطبيعة ، يقوم القمرُ بتقليد الحركات السنوية للشمس كُلّ شهرٍ ، لذلك ، حينما تكون الشمسُ في أضعف وأدنى مستوياتها في منتصف الشتاء ، يكونُ القمرُ المكتمل في أعلى مستوياته وألمع ، وفي منتصف الصّيف عندما تكون الشّمس في أعلى مستوياتها وألمع يكون القمرُ في أضعف حالاته.

إن أردتَ أن تفهم كيف يكون ذلك التأثير الدوبلغنجر ( التأثير الشبحي ) الغير عادي ، عليك بالوقوف على قمة تل أو سهلٍ منبسط ثم قم بتصوير الشمس عند الغروب في منتصف الشتاء ( ستكون الشمس حينها تحتل النقطة  الأكثر اتجاهًا للجنوب  ) ، وهو وقت اعتدال فصل الربيع ، ثم قم مرةً أخرى بتصوير موقعها في منتصف الصيف ثم مرةً أخرى وقت اعتدال الخريف ، ثم على تلك التواريخ نفسها قم بتصوير مواضع القمر ، وسوف نرى أن كُلاً منهما يقوم بالنزول لنفس النقطة في الأُفق في أوقات الإعتدالات وهي ( الحادي والعشرون من شهر مارس ، والحادي والعشرون من شهر سبتمبر- انظر للصورة رقم ١ ) لكن القمر حينها سيحتل الجهة المعاكسه للشمس في ( شهر ديسمبر وشهرِ يونيو ) ، 






الرسم بالأعلى يوضح العلاقة الغريبة بين الشمس والقمر على مدار العام كما يتم رؤيتها من كوكب الأرض . 

في منتصف فصل الصيف تكون الشمس في نصف الكرة الشمالي في جهة الشمال الغربي ، في حين يكون القمرُ حينها بالجنوب الغربي ، وفي منتصف الشتاء يتم عكس هذا الوضع فحين تكون الشمسُ في الجنوب الغربي يكونُ القمر بالشمال الغربي ، ( الصورة رقم ٢ توضّح أنه في وقت اعتدال الربيع والخريف تكون الشمس في الموقع المناسب من جهة الغرب ، في حين يحتل البدر ( القمر الكامل ) أيضًا نفس الجزء من السماء- الصورة رقم ٢ ) . من السهل علينا أن نتجاهل هذه العروض في محاكاة القمر للشمس ، والقول بكل بساطة أن ذلك يحدث نتيجةً لمسافة بُعد القمر عن الأرض وأن ذلك عائدٌ لخصائصه المدارية . وهذا ما سيقوله أكثر الناس المُدرّبين علميًا ، وهذا صحيح ، لكن ما يقولونه حقًا هو ( ذلك هو مايحدث لأن ذلك هو ما يحدث ) وهذا لن يأخذنا لأي مكان ، بالطبع أنه من الممكن ومن المنطقي أن يحدث ذلك صدفةً ، ما الممكن أن يكون غير ذلك ؟  حتى  أن أكثرية الإثنان والتسعون بالمئة من السُّكان الأمريكيون الذين يعلنون أنهم يؤمنون بالله قد يُحيلون ذلك للصدفة والأقلية منهم ستقول بأن ذلك يعود لخطة إلهية كُبرى . 

إن رقصة القمر حول الأرض والتي تنتج هذه العروض المُذهله معقدٌ للغاية ، وذلك يعود للحركات النسبية للأرض والشمس وكذلك للقمرِ نفسه . إن مسار مدار القمر يميلُ إلى درجة ٥،٩ على خط مسار الأرض حول الشمس ، والمعروف بإسم " مستوى مسار الشمس " ، والأرضُ أيضًا تميلُ حول الشمس في زاوية تزيدُ قليلاً عن ٢٣،٢٧ درجة على الرغم من أن هذا العدد يتناقص ببطئ شديد وسيبلغ في عدة ملايين من السنين إلى  ٢٢،٢٥ درجة مئوية ثم سيعود للزيادةِ مرةً أُخرى .

ويترتّب على ذلك كسوفُ الشمسِ ، حين يحدث أن يمُرّ القمر خلال مستوى مسار الشمس ( كما توضحه الصورة رقم ٣ ) فيتم حينها حظر ضوء الشمسِ من خلال جسمِ القمر . نقاطُ التقاطع هذه تحدث مرّتين لكل مدار قمري ، هذا التقاطع يُسمى ( العُقْدة و تعني نقطة إلتقاء تقاطع مدارين ) ، هذه العُقَدْ تتحرك ببطئ وبالإضافة إلى الخلفية النجمية ، فنجدها تعطي الإنطباع بالتّحرك إلى الخلفِ فيحدث نتيجة ذلك أن يتغيّر التقويم السنوي فيتقدّم بـ ١٩،٦١٨ يومًا كُل سنة ومع العلم أن الدورةُ عادةً تكتمل كُلّ ١٨،٦١٨ سنة ، أي أن مجموع تلك الأيام لو جمعناها ستكون ٦،٨٠٠ يومًا! 

وقريبًا من هذا التحالف الوثيق لهذه الدورة العُقدية ( تقاطع مدارين ) نجد ( دورة خسوف القمر والذي يحوي دورة وتكرار الخسوفات أو الكسوفات حيث أن كُل خسوف أو كسوف متعاقبين بينهما على وجه التقريب مدة ٦،٥٨٥.٣٢ يومًا أي ثمانية عشر عامًا ، إحدى عشر يومًا ، وسبعة ساعاتٍ وأربعون دقيقة وأربعين ثانية ) ، لقد عرف النّاس الأقدمينَ في بلادِ ما بين النهرين هذا المبدأ الفلكي ، ومن الممكن جدًا أن المراقبين الفلكيين في وقتٍ سابقٍ لذلك أي قبل فترةٍ طويلة من بدء التاريخ المسجّل ، قد كانوا أيضًا على علمٍ بذلك .


ومع ذلك ، على المرء أن ينتظر ثلاثة دورات لخسوف القمر ، من أجل أن يرى تكرارًا لخسوف القمر في نفس البقعة من الأرض ، لأن الخسوفات المتعاقبة في دورة خسوف القمر لا تُغطي إلا ثُلث الأراضي في جميع أنحاء العالم ، لذلك عليك أن تنتظر أكثر من خمسةٌ وأربعون سنة لترى عودة الخسوف إلى نفس المنطقة الجُغرافية . 

حتى الآن ، هناك إثناعشر خسوفًا كبيرًا مختلفًا في وقتنا الحاضر . 



إنّ المعرفة الإنسانية عن تحرُّكات القمر هي أقدم بكثير مما يتصوّره معظم الناس . فمنذ أكثر من خمسةٌ وعشرون سنة ماضية إخترع عالِمٌ فلكي التقويمَ القمري والذي لازال ساري المفعول . فقد وُجِدت عظمة تم حفْرُها على شكل نقاط منذ ما يُقارب مئة سنة في إبري بلانشارد وهي ليست ببعيدة عن إيسكو في فرنسا ، اتفق الخُبراء على أن هذه العلامات تتوافق بدقة لمدة شهرين مع التقويم القمري . وفي وقتٍ لاحق من ذلك ، بعد حوالي مئتين وخمسين جيلاً ، قام فلكيًا آخر بتسجيل هذه المعرفة القديمة باستخدام مختلف المعادن الطبيعية بلطخها على جدران أحد الكهوف ليترك لنا صورة مستطيل فارغ ، يليه سلسلة من أربعة عشر نقطة سُخامية ( سُخام ) ، كان من الواضح والجلي أن هذه العلامات أيضًا تُمثّلُ التقويم القمري .





النقاط الأربعة عشر ، كانت تُمثّل أوجه القمر من قمرٌ كامل الإستدارة إلى بداية ظهور قمرٍ جديد ، أما ذلك المستطيل الفارغ فكان رمزًا لإختفاء وجه القمر لليوم الخامس عشر . وإذا راود أحدهم الشّك في أن هذه العلامات التي وُجِدت على جدران الكهف في اسكو تُمثّل التقويم القمري حقًا ، أو حتى إِعتقد أن العدّ لم يكن موجودًا إلا باكتشاف الكتابة أي قبل خمسة آلافِ عام ، فربما صورةٌ أُخرى ستجعله يعيدُ التفكير مرةً أُخرى . 

في جزء آخر من الكهف وُجِدت تسعةٌ وعشرون نُقطة ، تتلوى حول الجزء السُّفلي لحصانٍ برّي في لوحةٍ تم رسمها بشكلٍ جميل ، تسعةٌ وعشرون يومًا هي الفترة من خروج قمرٌ جديد وإنتهاء قمرٍ كامل الإستدارة ثم ظهور قمرٍ جديد آخر .


وأيضًا هناك قطعة أثرية أُخرى تَعرِضُ تطوُّرًا آخر ، وتُعرف بإسم " إيستورس باتون " ، حيثُ تم تدوين أربعة أشهر وخمسة أشهر من التقويمُ القمري ، ومن التواضع أن " نُدرك " أن هذه السجلات تم إنشاؤها قبل أكثر من عشرة آلاف عام ، قبل إنتهاء العصر الجليدي واختفاء الماموث الصوفي العملاق.

هذه الأنواع من الملاحظات لسطح القمر لم تقتصر على جنوب فرنسا،  فعظام " يشانقو " التي عُثر عليها في الكونغو في أفريقيا ، أيضًا تحملُ علاماتٍ تبدو أنها تُمثّل التقويم القمري . والأعجب من ذلك ، هو أنها مُطابقة تقريبًا لعصر القطعة الأثرية " إيستورس باتون " ، على الرّغم من أنه تم إنشاءها على بُعد مئات الكيلومترات إلى الجنوب وفي قارةٌ مختلفة !.

إنّ وجود تقاويم قمرية في هذا الوقت المُبكّر من التاريخ لهو من الأهمية الكُبرى في فهمنا لتطوّرنا ، فهي تُبرهن على وجود وعي بمرور الوقت وبدورات الطبيعة .

 إنّ اكتشاف صناعات إنسانية أثرية لهُوَ من قُبيل الصدفة  ، وذلك يعتمد كذلك على عدد الأشياء التي يتم اكتشافها ولأي نوعٍ تعود إليه  ، فحقيقة وجود الكثير من هذه العظام والقرون واللوحات التي تم اكتشافها لهُوَ مُؤشِرٌ على أنها لم تكن فريدة من نوعها ، وأن المعرفة بالقمر كانت هامة لشعوب العصر الحجري في أوروبا وأفريقيا .. ومع ذلك ، فإن هذا يُعطينا سببًا لنتسائل لماذا هذا الإنبهار بالقمر في ذلك الوقت المبكّر! . 


أظهر الإكتشاف الأخير ، لماذا أصبحت هذه المُلاحظات المعقّدة  " فجأةً " مُمْكِنه لأسلافنا البعيدين ، أي منذ حوالي اثنان وثلاثون ألف سنةٍ مضت . 

في يوليو عام ٢٠٠٤ ميلادي ، راشيل كاسباري من جامعة ميتشغان ، و سانق هِي لِي من جامعة كاليفورنيا ، نشروا تقريرًا أجْرَوه إلى الأكاديمية الوطنية للعلوم ، هذا التقرير كان بشأن عمل مقارنات بين سبعمئة وثمانية وستون حفرية بشرية مُختلفة لفترة كبيرة من التّطوّر البشري ، هذه المجموعة من الحفريات تم تقسيمها إلى مجموعتين ، مجموعة ضمّت البالغين في سن الإنجاب أي ممن هم في عُمر الخامسة عشر والذين هم ضِعف هذا العدد بناءًا على حالة الأسنان .

في المجتمعات البدائية ، كان الناس يُصبحون في أكثر الأحيان أجدادًا قبل سن الثلاثين ، هذا إن كانوا محظوظين بما فيه الكفاية ليعيشوا فترةً طويلة . يقول الدكتور كاسباري " لقد وجدنا هذه النسبة من كبار السن البالغين إلى البالغين الأصغر سنًا في السجل الأحفوري آخذًا بالزيادة مع مرور الوقت ، وفقط في العصر الحجري سُجّلت أكثر نسبة ارتفاعٍ لها ".

وعن طريق حساب نسبة العينات من الأكبر سنًا إلى الأفراد اليافعين ، وجد الباحثون أن نسبة الأعداد ارتفعت إلى خمسة أضعاف في مجموعة العصر الحجري القديم! هذه القفزة المُفاجئة في نسبة الأعداد كانت مثيرة للدهشة والإستغراب لدرجة أن الفريق ذاته قد شكّك في النتائج الخاصة بها في البداية
 .

هذه القفزة في متوسّط العُمر سمحت للأفراد الأكبر عمرًا وأكثر حكمة بنقل تجاربهم وخبراتهم ومعارفهم للجيل التالي من البالغين . 

إنّ حالة الأسنان تُشير إلى أن هذه القفزة في طول العُمر لابد أنها تسببت نتيجة نشوء نموذج حقيقي من البشر المتعلّم والذي أمكنه بناء مجموعة من الأنواع أو الفئات البشرية الذكية حيث تكون الفئة الإجتماعية بأكملها لديها من المعرفة ما يفوق معرفة شخصٍ واحد ، هذا الذكاء سيُتيح للحضارة الأولى التي تم تغذيتها بالرجال والنساء الموهوبين والمحميين من قِبل المجموعة بإضافة قيمة وفائدة لمجتمعهم البدائي ، وإن هذا الإنتقال المفاجئ من مُجتمع أطفال ( كناية عن الجهل ) إلى مُجتمع يسوده " ذوي اللّحايا الرمادية - كناية عن الخبرة والمعرفة ) لابد أنه كان الحد الفاصل الذي وضع الأُسس لما يُمكن أن يُصبح في نهاية المطاف الحضارة الحقيقية .

في فترةٍ من التاريخ ، والمعروفة بإسم فترة " العصر الحجري القديم  " والتي تُمثّل الوقت الذي كان فيه قد نشأ إنسان العصر الحديث في أوروبا ، كان هناك تَوسُّعًا في أعداد السُّكان ، هذا التّوسع خلق الضغوط الإجتماعية التي أدّت إلى نمو شبكات تجارية ، وزيادةً في التّنقُّل وبالتالي وجود أنظمة أكثر تعقيدًا من خلال التعاون أو المنافسة .

يُمكننا أن نفهم الآن لماذا أصبح عِلمُ الفلكِ والرّصد هو أول العلوم الحقيقية للبشرية ، فكل العلوم تستند على مراقبة الأنماط التي تنتج من " تداخل موجات " من صُدفة عشوائية بسيطة ، ومن ثم ، من خلال فهم ومعرفة سبب ذلك ، يُمكننا من معرفة الأحداث والنتائج المُستقبلية . وبهذه الطريقة يُمكن أن ننظر لحركة المد والجزر ، والمواسم ، وحركات الأجرام والسماوات بأنها أجزاءٌ لمُحرّكٍ واحد يقود التّغيّرات في البيئة المعاصرة للمفكرين القُدامى . إن عُلماء الأرصاد المُبكِّرين هؤلاء لاحظوا كيف أن ظهور أنماط من الأحداث المختلفة تمامًا لابد أن تكون متصلة ببعضها البعض بطريقةٍ ما.

لماذا يجب أن يرتفع المد والجزر مرتين يوميًا ؟ ولماذا يرتفع أكثر عندما يكون القمرُ مُكتملاً ، أو عندما لايكون هناك قمرًا على الإطلاق؟! هل للقمر سيطرةً من نوعٍ ما على شيئٌ ضخم كالمحيطات مثلا؟! والأغرب من ذلك ، لماذا تفقدُ النّساء ممن هنّ في سن الإنجاب ، الدّمَ ( الدورة الشهرية ) مرةً واحدة كُلّ دورة كاملة للقمر؟! يُمكننا أن نكون متأكدين من أن هذه الحقيقة بالذات لم تَغِب عن هؤلاء النّاس . وبالعودة إلى عام ألف وتسعمئة وإحدى عشر ، قام طبيبٌ فرنسي يُدعى جي.جي. لالاني ، بدراسة الكهوف في " لايسوسيل " في دوردون ، حيث وجد مُصادفةً شيئًا يُبيّن لنا ما يُنيرنا من حيث عقلية البشر في العصر الحجري القديم ، فقد وجد منحوتَةٌ على الصخور الكلسية لشخصية أُنثى بِطول ثلاثة وثلاثون سم ، هذه القطعة الفنية لهذا الوقت المُبكّر من التاريخ لهو شيئٌ لافتٌ للنظر جدًا ، والأعجب أنه تم صنعها وتنفيذها من حجر الصوان . 



إمرأة عارية بالكامل ، تضع يدها اليُسرى على بطنها وتُمسك بيدها اليُمنى قَرن ثورٍ على شكلِ هِلال ، وعلى قرن الثور هناك ثلاثة عشر خطًا قطعيًا ( الصورة بالأعلى ) ،"فينوس لايسوسيل-The Venus of Laussel" - فينوس أي كوكب الزهرة - كما تُسمّى هي بِعمر عشرون ألف سنةٍ على الأقل ، هذه المنحوتة هي واحدة من العديد من المنحوتات التي توحي بشدة أنه كان هناك معرفة مُبكرة جدًا أن الخصوبة البشرية تبدو مُرتبطة بمراحل ومُدة ظهور القمر . إن قُدرة الأنثي على التكاثر تعتمد على الدورة الشهرية التي لديها والتي تكون بالمتوسط كُل ثمانية وعشرين يومًا ، وفي منتصف هذه الفترة يتم تحرير البُويضة الناضجة من مِبيض المرأة وتُصبح مُتاحةً للإخصاب ، فإن لم يحدث جماعٌ وقتها ولم يتم تخصيب البويضة فإنها تتحلل خلال بضعة أيام ، ونهاية هذه الدورة إن لم يكن هناك ما تم إخصابه مُسبقًا واتخذ مكانه في رَحِم المرأة ، سيبدأ الحيض ، وتبدأُ دورةٌ أخرى . 

سلسلة من الدراسات المُثيرة للإهتمام كتبها البروفيسور لوروا ماكديرموت من جامعة ولاية ميسوري ، اقترح فيها أن هذه الصور المُبكّرة لفينوس كانت صورًا ذاتية . أظهر تحليله أن هذه التماثيل قد قُدِّمت من وجهة نظر " الذات " بدلاً من وجهة نظر " الغير "، وأنها تمثل وجهة نظر المرأة من نفسها سواء عاطفيًا أو جسديًا ، لأنها قد نُحِتت  بطريقة إنسيابية لأسفل ولهذا فإنها تُصوّر لنا محاكاة ما تراه الأُنثى العصرية من نفسها . 

يشرح لنا ماكديرموت أن اهمال تشريح الجسد حيث يبدو وكأنه مُشوه وغير متناسق قد وُجِدت في شتى تماثيل فينوس التي ظهرت بشكل يشرح فيه مراحل جسد المرأة بعد عدة ولادات ذاتية ، فالمعلومات التي تقدمها التماثيل من حيث الحجم والشكل تظهر فيها التعبير عن الأشياء ، فنجدها تحدد علاقة كُل مرحلة بشكل العينين والآثار النسبية لقصر القامة وبُعد المسافة بين الساقين ، كُل ذلك يرمز للصورة الذاتية للمرأة في مراحل مختلفة من الحياة ، ويعتقد ماكديرموت أن هذه النماذج هي الأقرب لتمثيل نموذج بشري يُمثّل الولادة والمعلومات المتعلقة بأمراض النساء وربما تدل كذلك على تقدّم المرأة ومراقبتها لذاتها ووعيها للظروف المادية لحياتهم الإنجابية .

إن الإشارة إلى رمزية الشهر القمري في " فينوس لايسوسيل " تُشير بقوة إلى أن النساء قبل عشرون ألف عامًا قد عَرَفن طول دورات الطمث بالفعل وانهن قارنّ بينها وبين مراحل القمر. أما الخطوط الثلاثة عشر في قرن الثور الذي يتّخذ شكل هلال القمر ، فيمكننا بسهولة بربطه بعدد متوسط حيض المرأة المتوقّع في كل عام وهو ثلاثة عشر حيضًا، وفي نفس الوقت ، ليست كُل النساء يحضن في نفس المرحلة القمرية كل شهر ، إنما المألوف في جميع الإناث أنهن في نفس المرحلة القمرية في كل شهر وهي كُل ثمانية وعشرين يومًا وهذا هو التوقيت المتوسط لذلك ، في حين أن الفترة ما بين القمر المتكامل الواحد والتالي له هو تسعةٌ وعشرون يومًا .

حين نربط كلمة حيض وهي باللغة الإنجليزية-menstrual-تاريخيًا نجد أنهاتعود لكلمة-mensis- اللاتينية ، والتي تعني كلمة " شهر " في حين أن كلمة " شهر " كلمة قديمة جدًا ، وتشير كلمة أربعة أسابيع بكلمة-moonth-أي شهر واحد . 

تُعتبر العلاقة بين فترة " الخصوبة البشرية " ودورات القمر " واضحة وبالأحرى واقعة فعلية " ، لكنها على الأقل ليست مثيرة للدهشة أن يكون أجدادنا القدماء قد لاحظو إمكانية وجود علاقة بين ذلك ، ربما جاءت النقطة الفاصلة عندما أدرك أحدهم أن متوسط فترة الحمل للمرأة منذ الحمل وحتى الولادة هو مئتين وستة وستين يومًا أو " تسعة " دورات قمرية.

في الحياة الإجتماعية والشعائر الدينية ، لعبت الخصوبة بلا شك دورًا حاسمًا في حياة الناس وذلك متمثلا في المنحوتة فينوس ، وهو ما يمكننا القول أن الآلهة الأنثى قد لعبت دورًا مهمًا في ثقافة الإنسان منذ آلاف السنين من عصور ما قبل التاريخ . 


كانت التماثيل التي تُمثّل النساء الحوامل حيث يبرز فيها بشكل مُبالغ به كُلاً من الأعضاء التناسلية والثديين ، شائعًا في العصر الحجري القديم إلى فترات العصر الحجري الحديث ، وهناك إشارات ودلالات قوية على وجود آلهه للخصوبة  كان يؤمن بها الأقدمون وأن هذه الآلهة قد قامت بالنزول إلى كوكب الأرض ، هذه الآلهة كانت تُدعى " ربّة الآلهة " أو " الآلهة العُظمٰى " .
تمثال فينوس قد يُمثَل بكل سهولة تجسيدًا لهذه الآلهة مع إستكمال تمثيله بالجسم السماوي الذي يوازن  شكل القمر قبل ستة آلاف سنة مضت . كان هناك تضخّم وانتشار في عمل المنحوتات الحجرية في الأجزاء الغربية من أوروبا ، وخاصةً في الجزر البريطانية . هذه الاعمال الفنية تخبرنا الكثير عن افتتان الناس في العصر الحجري الحديث بالقمر . 

هذا ما دعى الدكتور فيليب ستوك من جامعة ويسترن أونتارو في كندا ، للحيرة الدائمة في التساؤل ، لماذا لم تكن هناك خرائط أو رسومات للقمر أقدم مما رسمه ليوناردو دافنشي منذ خمسمائة سنة؟! 

فقرر البحث في المخطوطات القديمة وسجلات الحفريات التي تناولت حفريات العصر الحجري الحديث في الجزر البريطانية ، ومن بين المواقع الأخرى التي بحث فيها وجد هيكلاً مذهلا يُمثّل حُقبة ما قبل التاريخ يُعرَفْ بـ "نيوجرانج و نوث " في مقاطعة ميث ، أيرلندا .

وفي نوث هذه وجد نحتًا يبلغ من القِدم خمسة آلاف ومئتين هذه المنحوتة تتكون من مجموعة من الخطوط والنقاط ، أدرك الدكتور ستوك على الفور أن هذه المنحوتة لم تكن فقط خربشة تعود للعصر الحجري ، بل هي رسمًا لوجه القمر . قال : لقد إستغربتُ عندما رأيتُ ذلك ، فقد تم رسم نقاط مرتبة بحيث أنك لو وضعتها على صورة لوجه قمرٍ مُكتمل لسوف تصطف هذه النقاط في أماكنها الصحيحة! ( الصورة بالأعلى ) هذا بدون شك خريطة لسطح القمر . إنها أقدم صورة قد وُجدت حتى الآن ، كُل شيء ستراه في هذه المنحوتة ، تستطيع مثلاً رؤية النمط العام لملامح سطح القمر والعلامات المميزة به مثل:
(Mare Humorun)
وصولاً إلى
(Mare Crisium)-وهما معلمان معروفان على وجه القمر الثاني بقعة دائرية سوداء يتم مشاهدتها بالعين المجردة من الأرض وأما الأول فهو سَهلٌ مُظلم في الرُّبع الثالث من وجه القمر- إن النّاس الذين حفرو هذه الخريطة هم أوائل العُلماء الذين عرفوا الكثير عن حركة القمر ، فهم لم يكونوا بدائيين على الإطلاق!
هؤلاء الناس لم يكونوا مُجرّد مُراقبين للقمر! 


كريس و روبرت لوماس ، نشروا تحليلا عن الوظيفة الفلكية لمبني ( نيوجرانج ) - صورته بالأعلى- ولمن لا يعرفه فهو مبني من العصر الحجري وقد تم تشييده عام ثلاثة آلاف ومئتين قبل الميلاد وهو أقدم من أحجار ستونهنج والهرم الكبير في الجيزة - هذا المبنى تم تصميمه هندسيًا بطريقة تسمح لضوء كوكب الزهرة -فينوس - بالتّوغل عميقًا في هيكل القبّة مرة واحدة كُل ثمانية انقلابات لفصل الشتاء . هذا الشعاع المُركّز من الضوء ، سمح لهؤلاء العُلماء الأوائل بالتتبع الدقيق جدًا لكوكب الزهرة بحيث حافظوا على التقويم الدقيق لبضعه ثواني على كل دورة لمدة ثمانية سنوات! لا شك أبدًا أن هؤلاء البُناة كانوا بعيدًا جدًا عن البدائية ! وكما قال أحد الباحثين الأثريين في نوث " لقد ظهر بالفعل أنه في أوقات معينة يُضيئ ضوء القمر أسفل الممر الشرقي للهيكل . وقد أشار الدكتور ستوك إلى أن هذا الشعاع الضيّق من القمر سينخفض إلى أن يقع على خريطة القمر للعصر الحجري الحديث . وختم حديثه بقوله " من المؤكد والواضح أن هذا قد تم عمله من قِبل رجال لديهم فهم متطور بشأن حركات الشمس والقمر والنجوم. 

يبدو أن التّحوّل من قوة الآلهة الأنثوية والتي غالبًا ما ترتبط بالقمر ، إلى الآلهة الذكورية المعتمدة على الطاقة الشمسة قد حدث في نفس وقت بداية اكتشاف الإنسانية للكتابة . نجد ذلك في سومر ( العراق حديثًا والكويت ) وكذلك في مصر وذلك بعد أن بُنِيت هياكل كمبنى نيوجرانج ونوث .

أحد الباحثين يُدعى ليونارد شالاين وهو رئيس جراحة المناظير في المركز الطبي " كاليفورنيا والمحيط الهادي " قد اقترح هذا الترابط الذي ذكرناه في كتابه المثير للجدل والأكثر شعبية ( الأبجدية ضد الآلهة ). 

ففي حسب رأيه في الكتاب المذكور اعلاه أن هذا التحول كان نتيجة التطوّر الذي أحدثته الكتابة على وجه التحديد ، فتم استبدال استخدام الفص المخي الأيسر بديلاً عن الفص الأيمن والذي ساد استخدامه لعدة آلاف من السنين كان حينها السلام والإلهام سائدًا في وقتها ، كما يؤكد أن هذا يفسّر التّخلي الفعلي للمجمتع السلمي المؤنث عمومًا ، الذي كان متواجدًا في معظم أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وآسيا .

هذا التّحول تعرّض للتأرجح في التاريخ لكنه بدأ منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد ، عندما بدأ ظهور الهيكل الإجتماعي " الأبوي " الأكثر عدوانية ، فأصبحت الغلبة للآلهة الذكورية . 

هذه الفرضية تبدو معقولة جدًا ، واذا كان هذا صحيحًا ، فإنه يمكننا أن نتوقع العثور على هذا الإرث من الآلهة المرتبطة بالقمر لا يزال موجودًا في عصر فجر الكتابة ، عندما كان يجري حينها بداية فهرسة وتوثيق كتابة الأساطير والقصص ، وهذا جل القضية فعلاً .

في سومر نجد " نانا " وهي آلهة القمر في وقتٍ مبكر من الزمن ، بينما نجد في مصر المجاورة لسومر ، " حيث جاءت الكتابة في وقتٍ لاحق فيها "  ، نجدُ مثالاً أفضل فنجد مثلا " إيسيس " التي ارتفعت لتصبح واحدة من أهم الآلهة المُبجّلة في جميع أنحاء العالم كُله لعدة آلاف من السنين . نشأت إيسيس أو إيزيس كما يُقال احيانًا ، بوصفها آلهة القمر ، وهناك حقيقة مُعينة تتضح لنا في جزء مُعيّن من قصتها وهي أن إيزيس كانت تُعيد بناء  أجزاء جسد زوجها أوزوريس بعد أن تم تقطيعة وفرمه بوحشية إلى قطع متناثرة ، فسافرت في جميع أنحاء العالم للعثور على الأحزاء المقطّعة من أوصال زوجها التي بلغ عددها أربعة عشر جُزءًا خلال القصة كُلها . هذه القصة تشرح الزيادة التدريجية في حجم القمر عبر أربعة عشر يومًا من بداية قمرٍ جديد إلى قمرٍ كامل الإستدارة .

يُشير المصريين ، أن بلوتارخ ( وهو يوناني المنشأ ) قد كتب في عام ستين ميلاديًا : " إن الكهنة المصريين كانوا يسمون القمر " أُم الكون " وذلك بسبب نوره الذي يجعل النساء قابلات للحمل " كما ذكرنا بالبوستات القديمة " وبهذا فهو يدعم نشوء أجيال الكائنات الحية .  

وبالرغم من أن القمر قد ارتبط بالآلهة المُذكّره في بعض الحضارات القديمة ، إلا أنه في أغلب الحالات كان القمرُ يُعبّر عن الأُنثى ويحمل جوانب قوية لما تمثله الخصوبة . 

هذه الآلهة كانت تُسمى بالعديد من الأسماء بجميع أنحاء العالم ، فعند الإغريق كانت تُسمى " أرتميس " ، وقد دعاها الرومان بـ " ديانا " و " سيلين " ، وعند الفنلنديين كانت تُسمى بـ " كيويو " ، وقد عُبِدت في الكلت بصفتها " كريدوين " ، ولم يتم تجاهل هذه الآلهة في العالم الجديد ، ففيما يُعرف الآن بالمكسيك كانت آلهة القمر تُسمى بـ " تلازولتيوتلي " ، وعند المايا كانت تُدعى " لكسشوب " ... هذه الأسماء لا تُمثّل سوى نسبة ضئيلة من تلك التي لا تزال تُذكر حتى الآن ، وإنه مما لا شك فيه على الإطلاق أن قمر الأرض كان مهمًا للغاية لدى البشرية جمعاء في أنحاء العالم كله . ولعدة آلاف من السنين كان القمر هو الجسم السماوي الأول الذي تم استخدامه بشكل مؤكد لقياس مرور الزمن ولأسبابٍ أخرى كالخصوبة لدى الإنسان. وبهذا الخصوص لا زال القمر يتم استخدامه في الأنظمة الخاصة بنا في قياس السنة الشمسية بناءًا على الأشهر القمرية . ولو عدنا عبر التاريخ لوجدنا محاولة الثقافات المختلفة للتوفيق بين الوقت القمري مع الوقت المتعارف عليه طول العام لدينا والذي تحكمه الشمس . 

في ثقافات قديمة حقًا كالسومرية مثلا ، لم تتخلى أبدًا عن التقويم القمري ، ابتداءًا من كل ظهور هلال للقمر في كبد السماء يتم احتساب الشهر لديهم . فقد اعتمد الكهنة السومريون على تطبيق اسلوب معين يتكون من ثلاثين يومًا طولاً وهو مايتناسب مع السنة الشمسية لكن بطريقة أكثر انتظامًا . كذلك لايزال الحساب القمري يُستخدمُ في الإسلام وهو من الآثار المتبقية في الأصول الدينية في شبه الجزيرة العربية . 

المعنى الكُلي لذلك ، هو أن الإهتمام الشديد بالقمر ليس مُفاجئًا على الإطلاق .

لقد أصبحنا في عالمنا المعاصر الذي تملئه المصابيح الكهربائية نميلُ إلى نسيان أنه في وقتٍ غير بعيد ، كان  ضوء القمر وهو يرحّبُ بنا في ليلةٍ مُظلمة ، هو إنارتنا الطبيعية ، في نفس الوقت الذي كان مُلاحَظًا عنه أنه يمتلكُ قوةً رهيبة . فقد عُرِف عنه ومن قِبل جميع ثقافات العالم أنه قد يكون له تأثيرًا على عقول الناس ، فحتى وقتٍ قريب أُرتبط أولئك الذين كانوا غير مستقرين عقليًا حيث أظهروا علامات العنف والجنون بظهور القمرِ كاملاً ، وبالإضافة إلى ذلك ، كان أجدادنا القُدامى يدركون جيدًا أن القمر كان مسؤولاً عن واحدة من أكثر الأحداث إخافةً وذهولاً للبشر ، وذلك حين يقوم القمرُ ( بسرقة ) الشمس من المجموعة الشمسية ، وذلك حين تبدأ دورة كسوف الشمس ويحدثُ أن يَمرُّ القمرُ الجديد مباشرةً بين الشمسِ والأرض ، في مثل هذه الأوقات يُلقي القمر بظلاله على الأرض ، وبالنسبة للمُشاهد على الأرض ، إن تصادف موقعه بالمكان المناسب ، سيبدو وكأن الشمس قد سُرِق ضوئها وتبدّل النهار بالليل الدامس  . 

الكسوف الكُلي حدثٌ رائع حقًا لأنه من أجل أن يحدثُ ذلك ، يجب أن يكون القمرُ والشمس من منظورٍ أرضي متطابقين تمامًا ، مع أن ذلك غير صحيح أبدًا . لابد أنه قد تسبب في إيقاع الرعب في قلوب البشر في وقتٍ مبكر من التاريخ . هذا الخوف تم تخفيفه قليلاً عندما أصبح من الممكن على  الإنسان التّنبُّؤ بتوقيت حدوث الكسوف ، وهو الأمر الذي سعت العديد من الحضارات القديمة للقيام به . وهناك نوعٌ آخر من الكسوف ، وهو مايتم مشاهدته في كثيرٍ من الأحيان بسبب هندسة وترتيب الكواكب ، وهو ما يُسمى بـ " خسوف القمر " وهو مُخيفٌ في طريقة حدوثه كذلك ، فخسوف القمر يحدثُ عندما يتحرك القمرُ بإتجاه ظل الأرض ، وبذلك نرى أن القمر المتكامل يبدأ تدريجيًا بالإختفاء في ليلةٍ صافية!.





في هذه المناسبات لا يكون وجه القمرِ قد تم تغطيته تمامًا بظل الأرض ، ولذلك غالبًا ما يظهر وجه القمر وكأنه قرص شبحي من الدم الأحمر . هذا المشهد الذي تقشعِرُّ له الأبدان لا زال يخيف الكثير حتى الآن ، ويمكن للمرء أن يتعاطف مع الناس الذين كانوا ولازالوا يُشاهدون الحدث بشعورٍ من نذير سيحدث ! 

من دون فهمٍ جيّد لدورات الكواكب المعنية ، وكِلا أنواع الخسوف أو الكسوف ، ستظهر بسهوله أن هذه الأحداث هي أحداثٍ عشوائية ، وقد سعت العديد من الحضارات القديمة لإكتشاف هذه الأنماط المعنية ومحاولة فهمها مع درجة من السيطرةِ عليها . وقد كانت  تلك هي المحاولات الأولية الجادة في علم الفلك . وقد كان معروفًا أن الآشوريين والبابليين يُمكنهم التّنبُّؤ بحدوث الكسوف ، وفي كلا الحضارتين تم وراثة العديد  المهارات الفلكية  من السومريون بوقتٍ سابق . ومن المُرجح جدًا أن التّنبُّؤ بالكسوف أو الخسوف قد كان موجودًا بالفعل قبل ٣.٠ قبل الميلاد .

وفي الغرب كانت هناك إقتراحات بأن بعض الأبنية المغليثية كانت مبنية على أساس التّنبُّؤ بالخسوف وتعود هذه الأبنية إلى وقتٍ مبكّر من قبل عام أربعة آلاف قبل الميلاد . يذكرُ عالم الفلك " جيوالد هوكنز " في كتابه " فك شفرة ستونهنج " أنه استخدم نموذجًا كمبيوتريًا ليُثبت أن حجارة ستونهنج في ويلتشير ، انجيلترا تم بناءها جُزئيًا ( أي كأحد وظائفها )  للتّنبُّؤ بحدوث الخسوف . 

وفي الألف الثانية قبل الميلاد استطاع الصينيون أيضًا التّنبّؤ بالخسوف أو الكسوف .

في عام ٢٦٥٠ قبل الميلاد كتب " لي شو " موضوعًا عن علم الفلك .

 وبعد ثلاثة قرونٍ ونصف كان المنجمين الصينيين القُدماء يمتلكون مباني للرصد متطورة جدًا بحيث أُعْتُبِر رصد كسوف الشمس ضروريًا للتّنبُّؤ بالحالة الصّحية والنجاحات التي سيحققها الامبراطور مستقبلاً .

كان هؤلاء الالفلكيون حريصون على أن تكون تنبُّؤاتهم  دقيقة وصحيحة فإن كانت نتيجة التّنبؤ فاشلة أو غير صحيحة سيؤدي ذلك لعواقب وخيمة قد تصلُ إلى القتل ! ، ففي حالة واحدة موثقة تُشيرُ إلى كسوفٍ في عام ٢١٣٦ قبل الميلاد ، كان مصير المنجمين الذين أخطئوا في تنبؤ وقتِ حدوث ذلك هو قطع الرأس ! وفيما يلي تسجيلاً لما يثبت  مصيرهم  هذا ( هنا تكمنُ  جُثث " هُو-Ho " و " هِي-Hi " ، الذي وإن كان مصيرهم مُحزِنًا ، إلا أنه من المضحك أن يجري قتلهم بسبب أنهم لم يستطيعوا التّنبؤ بحدوث الكسوف ! 

( الكاتب غير معروف ) 

منذ آلاف السنين والقمرُ يمثّل شيئًا يُثير الرهبة والعجب لبني الإنسان في جميع أنحاء كوكب الأرض ، ولا يزال يُمثّل ذلك للملايين من الناس في وقتنا الحاضر ، على الرّغم من التقدّم التكنولوجي والفهم الجيّد لخصائصه  الفيزيائية .

على سبيل المثال ، دائمًا ما قورِنَ القمرُ مع الزراعة ، حتى في بعض أجزاء من العالم المتقدّم ، فنجد المُزارعين والبُستانيين الذين ينوون الزراعة أو الحصاد يرجوعون مباشرةً لمعرفة وتحديد  مرحلة من مراحل القمر أو جزء من الأبراج التي تحتلها في تلك المرحلة من الزمن والتي يتم اعتماد شكل القمرِ في حينها. 

القمر هو الأكثر سُرعةً بين الكواكب الفلكية  حين يتم النّظر إليه من كوكبُ الأرض ، أي بمنظورٍ أرضي القمر هو الأسرع مرورًا وسُرعةً بالنسبة لمرور الكواكب الأخرى على الأرض ، وبذلك يكون القمرُ قد مرَّ من خلال جميع الأبراج الفلكية في ٢٧،٣٢٢ يومًا عمومًا .

عمومًا ، تتم زراعة المحاصيل عندما يكون القمرُ مُكتملاً بحيث يمكن أن تنمو المحاصيل على وجه القمر بدرًا ، و في حين أنه ليس هناك أساسًا علميًا لهذه الأفكار إلا أن هذه الإرشادات في كثيرٍ من الأحيان مُحدّدة للغاية ولا تختلف كثيرًا في جميع أنحاء العالم ، ولا يقتصر اختيار وقت محدد بالقمر في زرع البذورِ فقط ، فعلى سبيل المثال ، حين يتم اختيار التُّفاح لتناوله فورًا فالأفضل ان يتم حصاده في وقت البدر ، وإذا أُريد أن يتم تخزينها في المخازن فالأفضل أن يكون تخزينها في وقتٍ يكون فيه القمرُ مُكتملاً ، فإنه يُعتقد أن ذلك يجعل التفاح أقل عِرضةً للتَّعفُّن .

وحتى اليوم ، لازال القمرُ مُهمًا دائمًا للبشرية وخصوصًا إلى واحدة من أهم المهرجانات في الدين المسيحي . فعيد الفصح الذي يُصادف بدايات فصل الربيع في نصف الكرة الشمالي ، هو احتفالٌ قديم " لعودة الحياة أو الولادة من جديد " والتي سبقت ارتباطه بموت وقيامة يسوع المسيح ( عليه السلام ) في العهد الجديد بفترة طويلة ، فالعهد الجديد ينُص على أن يسوع المسيح ( عليه السلام ) كان " مصلوبًا " عشية عيد الفصح قبل أن يرتفع مرة أخرى بعد وقتٍ قصير ، ونتيجةً لذلك تم إعادة تعيين مهرجان الفصح القديم لإحياء هذه ذكرى هذه المعجزة ، وهذا ما أثار جدلاً كبيرًا فيما يجب أن يقع وقت عيد الفصح . وقد كان المسيحيون الأوائل من أصل يهودي يحتفلون بعيد القيامة مباشرةً بعد مهرجان عيد الفصح ، والتي وفقًا لتقويمهم القمري يكون مساءًا حيث يكون القمرُ بدرًا.

ويعتبر ذلك هو اليوم الرابع عشر من شهرِ نيسان ( الشهر الأول من السنة الخاصة بهم ) ، وهذا يسبب في أن يقع عيد الفصح في أيام مختلفة من نفس الإسبوع .

أما السلالة الجديدة من المسيحيين الغير يهود في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية فإنهم يقومون بإحياء ذكرى " عيد القيامة " يوم الأحد والذي أصبح هو يوم السبتِ حديثًا . 

في عام ٣٢٥ م عقد الإمبراطور الروماني قسطنطين في مجلس نيقية اجتماعًا لمناقشة ما إذا كان أو لم يكن يسوع المسيح ( عيسي عليه السلام ) رجلًا أو إلهً ، وبعد أن عُيِّن رسميًا أن يسوع إلهً ( تعالى الله عما يصفون ) ، قرر  المجلس حينها أن يتم الاحتفال بعيد الفصح بعد الاعتدال الربيعي ، وبذلك يكون هو التوقيت المناسب حينها ،  ليكون القمر بدرًا والذي يتزامن مع مهرجان عيد الفصح ، فيحتفل المسيحيين من غير اصول يهودية في يوم الأحد اللاحق لذلك التوقيت .

إن كلمة-Easter-أو عيد الفصح باللغة العربية ، تعود لكلمة-Eostre-وهو الإسم الأنجلوسكسوني لأحد آلهة الجرمانيين ، والذي يمثل إله الربيع والخصوبة .

كان يتم الاحتفال بهذا الإله في يوم الإعتدال الربيعي الذي يصادف الآن يوم الحادي والعشرون من شهر مارس ويكون هذا الإحتفال منذ شروق الشمس بجهة الشرق وحتى غروبها غربًا ، وبذلك يتم الحصول على إثناعشر ساعة من ضوء النهار وإثناعشر ساعة الظلام .

التقاليد المُرتبطة بهذا العيد الوثني ترمزُ للبقاء على قيد الحياة وذلك نجده في فكرة أرنب عيد الفصح الذي يمثل رمزًا للخصوبة ، وبيض عيد الفصح المُزيّن بألوان زاهية والتي كانت رمزًا لإعادة الولادة أو النهضة من جديد . 




" المهم هو عدم التّوقف عن التّساؤل ، فالفضول له سببه الخاص في الوجود " ألبرت آينشتان .

في بدايات عام ألف وتسعمائة وثلاثين ، لاحظ مهندس اسكتلندي شاب ، أن العديد من المواقع الأثرية المغليثية لعصور ماقبل التاريخ والتي قد تم تجاهلها على نطاق وسيع بالقرب من منزله قد بُنِيت بطريقة تُوائِمُ بانتظام شديد مع القمر ، فقرر دراسة دراسة بعض هذه المواقع ، فبدأ بعمليات المسح الدقيق والتي أدت بالنهاية لإكتشافات مذهله ومهمة بالنسبة لمهندس شاب في جامعة غلاسكو .

قام ألكسندر ثُوم بزيارة عددٍ من الأبنية الحجرية لما قبل التاريخ بالقربِ من منزله في اسكتلندا عام ١٩٣٠م ، وتعجّب في عَظَمة واعجاز الحجارة العملاقة وكيفية نجاة الكثير منها من عوامل التجوية لأكثر من خمسة آلاف عامٍ مضت! فضلاً عن اثباتها لمقاومة نزعات اللصوص  وبُناة الطريق في منطقة كروفت عبر عشرات القرون . 

كان ألكسندر أثناء تجوله في المواقع المختلفة يُفكّر في الغرض التي بُنِيت من أجله هذه الأبنية العجيبة ، فكان يتطلّع إلى الأُفق ويُحاول أن يتصوّر كيف كانت الحجارة تُستخدم كأداة كان الغرض منها رؤية ورصد الأفلاك.

عندما قارن ألكسندر إرتفاع وهبوط نقاط الشمس والقمر ( كما ذكرنا بالجزء الأول ) في جميع الأوقاتِ من العام بدأت فكرة تتولد في مُخيلته .

كان أول مَسح يقوم به في موقع معروف بإسم كالانش في جزيرة لويس في هبريدس قُبالة الساحل الغربي لأسكتلندا ، هذا المَجمع من الحجارة المُرتفعة ، كان العديد منها متوافقًا ومُتجانسًا مع الأفلاك ، واليوم يُشار إلى هذا المجمع من الصخور بـ " معبد القمر " .

قضى ألكسندر ثُوم ما يقرب من نصف قرن بمسح ما يُسمى الحجارة المغليثية تلك ( هذه الكلمة تعني الحجارة العملاقة ) ، هذه الحجارة كانت متناثرة عبر الريف في الجُزر الواقعة قبالة شمال أسكتلندا وحتى منطقة بريتاني الفرنسية ، وعلى طول هذه الفترة أصبح ثُوم أستاذًا يحضى باحترام كبير في جامعة اكسفورد بقسم الهندسة وحتى تقاعده في عام ١٩٦١م.

سُرعان ما أدرك ثُوم أن بُناة هذه الأبنية لعصور ما قبل التاريخ كانوا مُهندسين مثله ! ، وأنهم كانوا يمتلكون معرفة متطورة وغريبة في علم الهندسة والفلك ، كان النهج الذي إتبعه هؤلاء المهندسين الموهوبين هو القيام بالتخطيط المُسبق لما سوف يكون المقصد الأساسي من هذه الأبنية واللرض منها ومن ثم بناءها وتصميمها بأنفسهم . 

سُرعان ما شعر ثُوم بالتعاطف الشديد مع بُناة العصر الحجري ، الذين قدّموا له رؤية حقيقية لغرض كُل المواقع التي من المحتمل تضيع في طريقة دراسة علم الآثار التقليدي . 

وفور ما أصبحت لديه صورة ذهنية مكتملة مما ظنّه الخطة الحقيقية لهذه الأبنية ، حاول بأقصى ما يمكنه لإيجاد حلٍ بطريقته الخاصة لهذه المشكلة المفترضة .فقام بوضع تصميم خاص يُشبه تصاميم هذه الأبنية ثم قام بعدها بالمقارنة بينهم .

ومن خلال هذه العملية في المقارنة أصبح بإمكانه التّنبُّؤ بمواقع الحجارة المفقودة ، ومع مزيدٍ من التفتيش ، عادةً ما اكتشف عن ثُقبٍ كان من المفترض وجوده وبذلك تأكّد من صحة نظريته .

وضع ثُوم تقنية إحصائية جديدة لتحديد المواقع النسبية للحجارة ، وبمرور الوقت ، ظهر شيئٌ غير عادي ومذهل في البيانات التي جُمِعتْ ! 

بُناة هذه الأبنية لعصور ما قبل التاريخ قاموا بسحب هذه الأحجار الضخمة إما طوعًا أو كُرهًا! فهذه الهياكل أو الأبنية قد صُنعت لتعمل مع وحدة قياسات للقياس عبر مساحة ضخمة لآلاف الأميال المربعة مما كان سابقًا عبارة عن غابات كثيفة ومستنقعات جرداء!

إنه من المدهش أن هؤلاء الناس الذين من المفترض أن يكونوا بدائيين ، كانت لديهم إتفاقيه " عالمية " لقياس وحدة الطول! لكن الغموض تلاشي حين قام ثُوم أخيرًا بوصف دقة وحدة الإرتفاع فيما أسماه " ساحة الصخور المغليثية " ، فعند وضعه لحد تقريبي مأخوذ من خطوات أو أجزاء الجسم ( كقولنا مثلا أربعه أقدام أو طوله ذراعين ونصف ) كانت النتيجة تساوي ٢.٧٢٢ قدم + / في ٠.٠٠٢ قدم - أي ٨٢.٩٦٦٥٦ سانتي متر في ٠.٠٦١ سانتي متر . كذلك كان قادرًا على إثبات أن وحدة القياس كثيرًا ما كانت تُستخدم بشكل مُزدوج أي بمضعفات الرقم أو يتم احيانًا استخدامها بشكل انصاف العدد فضلاً عن كونها مُوزّعة إلى أربعين وحدة فرعية ، يتم استخدام كل ذلك في أعمال التصميم في تصميمه المُسمى " أحجار المغليث " .

معظم عُلماء الآثار فنّدوا الفكرة من أساسها والتي تقول بأن وحدة القياس التي كان الأقدمون يستخدمونها أكثر دقّة من القياسات الحديثة ، وأن مجرد التفكير بذلك لهو أمرٌ سخيف . إلا أن ثُوم اعترف بأنه لن يقتدم اقتراحًا بكيفية تحقيق ذلك ، ومع ذلك ظل مُقتنعًا بشهادته  بقوله بأن ذلك قد " تم " القيام به بالفعل والآثارُ تشهد بذلك.

في كتابنا السابق " حضارة واحدة " وصفنا كيفية شروعنا في التحقق من " أحجار المغليث " .

وكانت لدينا فرضية أولية في أنه إن كانت وحدة القياس المستخدمة في تحليل البيانات والتي قام بها ثُوم تُعتبر منطقية ، إذًا ينبغي أن تتوافر في الأحجار خاصيتان :

أولاً : يجب أن يكون المقصد الأصلي من المبنى شيٌ مفيد ، وليس مجرد فكرة مُجرّدة أُعتُمِدت من قِبل الجميع .

ثانيًا : ينبغي أن يكون وسيلة لإعادة الإنتاج والتي يُمكن لأي شخص استخدامها أو صناعتها  دون الرجوع لاستخدام أي نوعٍ من  أدوات القياس المعياري ، والتي كان من الصعب جدًا صناعتها في ذلك الزمن ، كما يستحيل أن تحافظ على تلك الدّقة عبر القرون . 

لقد كنا مُدركين أن هذه الفرضية التي لدينا قد يكون أحدها خاطِئًا أو كليهما ، ولكن كما اتضح فيما بعد ، لقد كُنا مُصيبين في كليهما على حدٍ سواء ، إذًا لم يرتكب ثُوم خطئًا ! 

وكما وصفنا في كتاب " حضارة واحدة " ، كانت وحدة القياس التي استخدمها ثُوم والتي اسماها " ساحة الصخور المغليثية " تُسمى الوحدة الجيوديسية (١) ، وهي جزء لا يتجزء ذو أرقام عديدة متصلة ببعضها البعض متعلقة بقياسات المحيط القطبي للأرض .

لقد وجدنا أن بُناة الأبنية المغليثية القديمة كانوا ينظرون بزاوية دائرة ٣٦٦ درجةً بدلاً من ٣٦٠ درجة التي نستخدمها اليوم! لقد أدركنا أنه ينبغي أن يكون هناك ٣٦٦ درجة في الدائرة لسبب وجيه جدًا وهو أن هناك ٣٦٦ تناوبًا على الأرض لكل مدارٍ واحدٍ للشمس - أكثر  المصادر الأساسية  في كافة الدوائر في الوجود الإنساني .

المدار الشمسي الواحد عبارة عن سنة واحدة ، لكن هناك اختلافًا طفيفًا بين عدد الدورات في هذا الكوكب وبين عدد الأيام في السنة والبالغ عددها ٣٦٥ يومًا ، وذلك بسبب أن اليوم الشمسي المتوسط يتم قياسه حينما تكون الشمس في أوَجّها في يومين مُتتاليين ( ٨٦.٤٠٠ ثانية ) لكن الدوران الفعلي " يوم الدوران الفلكي الفعلي " يُأخذ كُل أقل من ٢٣٦ ثانية.

كُل هذه الثواني " المحفوظة " تُضيف ما يصل نتيجته إلى رقمًا واحدًا ، أي يومًا واحدًا زيادةً على مدار العام . 

و " يوم الدوران الفلكي " يُمكن تقديره بسهوله من خلال مُراقبة النجم وعودته إلى نفس النقطة في السماء في ليلتين مُتتاليتين . 

هذا هو الدورة الواحدة من كوكبنا ، لأنها لا تتأثر بالحركة الثانوية لمدار الأرض حول الشمس .
.

هوامش : 

الوحدة الجيوديسية : هي وحدة قياس يستخدمها المهندسين والمساحين في القطاعين العام والخاص ، يتم استخدام هذه الوحدة عند الإنشاء للمحافظه على صحة القياسات الأفقية والرأسية ويتم استخدامها في جميع المشاريع الهندسية ، يتم تنفيذ العمل البنائي المرجو بناءًا على معايير ومواصفات المسح الجيوديسي وهي تقنية حديثة تساعد في تقديم الدعم التقني للتكنولوجيا الحديثة في مجال المسح ورسم الخرائط .

لقد كانت الحضارات القديمة في كثيرٍ من الأحيان تأخُذُ تقدُّمُها وتطورها من الطبيعة ، وقد كانوا شغوفين بمبدأ " العجلات التي تتضمن عجلات أُخرى " ، فإذا كانت دائرة السموات  التي سجلوها هي ٣٦٦ جزءًا ( كما ذكرنا سابقًا ) ، فلماذا لا تتبع كل دائرة نفس قاعدة الدائرة التي سبقتها؟ 

لكن كنا قادرين على تأكيد هذه الفرضية - السابقة -من خلال مجموعة من الوسائل بما في ذلك الأدلة التي جمعناها من الثقافات اللاحقة لهذه الحضارات والتي على ما يبدو اعتمدت مبدأ الـ ٣٦٦ درجة . 

كان النهج الذي إتخذه أسلاف المغليثيين هو القيامُ بتقسيم دائرة الأرض - نظريًا - إلى ٣٦٦ درجة ، ستين دقيقة لكل درجة ، وستة ثواني للدقيقة الواحدة . 

ومن المعقول أن نفترض  أن هؤلاء البُناة القدامى قد استخدموا المحيط القطبي للأجزاء التي تمر على المنطقة المحيطة بالجزر البريطانية ( لأخذ قياساتهم ) ، لأن كوكبا يُعتبر كُرويًا تقريبًا مع وجود انتفاخات في وسط ما بين القطبين ، وبالتالي فإن محيط خط الإستواء أطول قليلاً عند القطبين .


وبالرغم ان هناك تقديرات مختلفة للمحيط القطبي للأرض ، فعلى حسب وكالة ناسا ، كان الرقم المتوسط الذي ذكرته هو ٣٩.٩٤١ كيلو مترًا ، في حين أن مصادر أخرى ذكرت أن محيط القطب هو ٤٠.٠٠٦ كيلومترًا أو ٤٠.٠١٠ كيلو مترًا ، ولا شك أن الأمر يتوقف على المكان الذي تم أخذ القياسات به أو الأخذ بحساب القياس المتوسط لكل منهم .ومن المثير للاهتمام ، أن أقصر قياس للمحيط القطبي ( وهو كذلك الذي يحتوي على أقل مساحة من اليابسة ) ، هو الذي يمر عبر الجزر البريطانية ، وهو ما يسمى الآن بخط الصفر من خطوط الطول ، لكن هناك احتمالٌ آخر أيضًا ، (فقط لإثارة الإهتمام) ، نحن ننظر إلى الجزء  الأكثر تسطُّحًا على وجه الأرض ، وإلى الخط الذي يشطر الكوكب بالتساوي ، حيث يكون هذا الخط هو الفاصل بين ( أكثر ) جزء يحتوي على المياه و ( الأقل ) جزء يحتوي على اليابسه .

لقد كُنا مدهوشين ، عند اكتشافنا أن الشخص الذي يقف في وسط سهل سالزبوري في ويلتشير ، انجلترا ( حيث تم بناء أحجار ستونهنج والدائرة المغليثية في أيفبري ) ، يكون واقفًا في منتصف هذا الخط ( خط الصفر ) بالضبط !!! 

وهذا يعني أنه إن اعتبرنا أحجار ستونهنج تقع على " رأس " العالم ، يكون خط الإستواء الوهمي في هذه النقطة يحتوي تقريبًا على ثمانية وتسعون في المئة من مياه الأرض ، أي أكثر نقطة تشير إلى أكبر نسبة من المياه من أي نقطة أخرى على الأرض كلها! 

ويمر هذا الخط عبر المحيط الأطلسي ، عبورًا تحت أفريقيا ثم يتجه إلى الأعلى عبر المحيط الهندي ثم يقطع بعضًا من القطع الصغيرة لأراضي باندا آتشيه و سومطرة و تايلاند وفيتنام ثم يعبر عبر بحر الصين الجنوبية ثم يعبر لأكثر من عشرون ألف كيلو مترًا عبر المحيط الهادي ليمر بعدها لأكثر بقاع الأرض من أمريكا الجنوبية . 

وبقدر مانعلم أنه لم يتم قياس هذا الخط مسبقًا ، ولا يمكننا أن نتصور كيف يمكن أن يتم قياس ذلك دون مساعدة ، وبواسطة التكنولوجيا والأقمار الصناعية الحديثة! ، ومع أننا لانعلم كيف استطاع القدماء قياس ذلك إلا أن ذلك لايعني أنهم لم يفعلوا ذلك ، ولو افترضنا (دون أن نقدم أي أدلة أخرى) انه من قُبيل الصدفة البحته تم بناء أحجار ستونهنج في المكان الوحيد على الأرض بحيث تكون على مسافة متساوية وقياس متساوي واحد والأمثل والأقرب للكمال في مستوى محيط سطح البحر بالعالم !

فيمكننا أن نفترض أنه عند استخدام محيط القطبي وقياسه والخروج بمساحة ٤٠.٠٠٨ كيلومترًا - والذي تم ذكره سابقًا - فإنه يُترجم إلى ٤٨.٢٢١.٨٣٨ مترًا من مساحة الأحجار العملاقة بعد استخدام القيمة الوسطى للوحدة الواحدة وبذلك يكون محيط القطبي مقسّم على النحو التالي :

= ٤٨.٢٢١.٨٣٨ مع اضافة درجة واحد (١/٣٦٦) 
= ١٣١.٧٥٤ للدقيقة ( ١/٦٠ )
= ٢.١٩٦ للثانية ( ١/٦ ) = ٣٦٦ درجة! 

وبهذا يكون هذا النظام الرائع للهندسة يبدأ مع ٣٦٦ درجة ، ومن الواضح أنه أُعِدّ باستخدام مبدأ ( عجلات بداخل العجلات ) أو بمعنى آخر ( الدوائر المتضمنه بداخلها دوائر أخرى بشكل تراتبي ) . 

لقد عرفنا أن هذه القياسات في النظام هي ماكان يجدر الأخذ بها ، لأننا قد وجدنا أن الثقافة المينوية اللاحقة والتي تطورت في جزيرة كريت في البحر الأبيض في حوالي عام ألفين قبل الميلاد ، قد استخدمت أيضًا ( الثانية المغليثية ) مستخدمةً مفهوم الأقواس .

علي كل الاحوال ، لقد قسّم المينويون الثانية إلى ٠٠٠،١ جزء لتصبح بها الوحدة القياسية للقياس تساوي ٣٠.٣٦ . هذه الوحدة كان يُطلق عليها إسم ( القدم المينوسية ) والذي اطلق عليها هذا الاسم هو عالم الآثار الكندي ، البروفيسور جوزيف جراهام وهو أول من اكتشف استخدام هذه القياسات في قصور كريت القديمة.

لقد ذهبنا لإكتشاف كيف يُمكن لأي شخص أن يبني ساحة المغليث ( الأحجار العملاقة ) عالية الدّقة ، من خلال قياس حركة كوكب الزهرة في سماء الليل الحالك مُستخدمًا حبلاً وبعض الجدائل ( الفتلة - خيط من القنب )  وبعضًا من الطّين والعِصيّ القليلة .

كان السر هو باتخاذ واحد من الـ ٣٦٦ حلقة في الأفق مع وقت مرور كوكب الزهرة في هذا الأُفق ، ومن ثم تثبيت قطعة من الفتائل مع بعضًا من الطين في هذه النقطة حتي نهاية تأرجح الكوكب وتحركه في الأفق ( مثل البندول ) ٣٦٦ مرة خلال تلك الدورة ، ومن نقطة الإرتكاز في مركز النقطة اصبحت ساحة الحجارة العملاقة ( المغليثية ) عبارة عن إثني عشر ياردة أو عشرين بوصة من الأحجار المغليثية العملاقة .

العملية كانت بسيطة جدًا للقيام بها والعمل عليها وهي تعمل بحركة البندول تمامًا ، بحيث أنها لا تحتاج إلا لعاملين إثنين وهما : طول البندول والكتلة من الأرض . فإن تغلّب البندول في تأرجحه ٣٦٦ مرة أثناء عبور كوكب الزهرة عبر أجزاء الأفق المكونة من ٣٦٦ جزء من السماء ، فقد حصلت إذًا على قياساتك الصحيحة ( لمزيد من المعلومات ابحثوا عن شرح أكثر تفصيلاً لأسلوب البندول فقط إكتبوا-pendulum method.) ومن المشكوك فيه أن يكون نحاتون الحجارة هؤلاء يعلمون أن الفترة الزمنية التي شاهدوا فيها الزهرة ومن ثم قسّموا الأفق إلى ٣٦٦ ضربة  ( حيث كانوا يضربون مُثبّتين  في كل درجة فتلة فأصبح المجموع ٣٦٦ ضربة ) كانت تمامًا تساوي الفرق بين اليوم الشمسي واليوم الفلكي! ( أي الفرق بين السنة الشمسية والسنة القمرية ).

فكانت خطوتنا التالية هي  البحث عن أيّ احتماليه لوجود مصادر من الطبيعة تتضمن نفس القياسات المضمونة ، ووجدنا أن هنالك واحدًا فقط : تحوّل الأرض حول محورها من خلال مشاهدة حركة السماوات . 

كان من الممكن أخذ قياس دقيق من خلال استعمال البندول في وقت مرور أي نجم وفي هذه الحالة كان المقصود هو مرور كوكب الزهرة ، ثم يتم حساب وحدة الزمن التي تنتج من قياسات البندول إلى وحدة قياس للطول ، لأن توقيت ضربات البندول سوف تنتج دائمًا طولاً ثابتًا ، مع اختلافات صغيرة بسبب العرض والارتفاع .

ثم اصبحت المسألة بسيطة في تحويل وحدة الطول إلى مقياس للحجم والُقدرة والكفاءة من بناء مُكعبات ثم ملئها بمواد سائلة أو جافة مثل الشعير أو القمح . ومع ذلك لم نكن مستعدين لتلقي الصدمة عندما أنشأنا مُكعبًا من الأحجار المغليثية  بجوانب تبلغ  الأربع بوصات ، والتي تم ملئُها بكمية تبلغ النصف لتر ، وهذا يُعتبر قياسًا دقيقًا مُذهلاً أي أن ذلك كان يُمثل ٥.٠ الجزء الواحد ، وهذا كان ضد المعايير المنصوص عليها والتي تُمثّل عام ١٦٠١.

فلو ضاعفنا الجانبين إلى ثمانية بوصات من الاحجار المغليثية لأنتح لنا غالونًا واحدًا دقيقًا ( من المواد التي تم ملئها وذكرتها سابقًا ) ولو ضاعفنا القياسات مرةً أخرى لأنتج لنا وحدة قياس قديمة تُدعى البوشل - هي أداة قياس بريطانية وأمريكية للأحجام الجافة - وقد ازداد الغموض حين وجدنا أنه حين نملئ نصف لتر مكعب من الشعير فإن وزنه بالضبط يكون باوندًا واحدًا! 

تحوّلت الأمور بعدها من الجادة إلى السخيفة حين أظهرت المزيد من التجارب أن مُجسّمًا كُرويًا يبلغ قطره ستة بوصات مغليثية يتحمل لترًا واحدًا وواحدًا من عشرة أضعاف حجم وزنه للطن المتري عندما يتم ملئه بالماء أي أنه يتم ملئه بشكل دقيق بنسبة ٩٩٪‏ .



حقيقة أن ثُوم -المذكور سابقا بالاعداد السابقه - ينكر أن هذه الساحات الصخرية والحقائق التي استخرجها من مسح مئات من أنقاض عصور ما قبل التاريخ ، والتي أنتجت أشكالاً كُروية ومكعبات غير قابلة للنقاش ، فلا أحد مهما كان مُتشكِكًا يستطيع أن يُنكر الرياضيات البسيطة . ولا يمكن لهم أن يُنكروا أن احتمالات الربط بين مثل هذه الأبنية والظواهر الكونية ، فهذا لايمكن أن يكون صُدفةً أبدًا ، ومع ذلك ، لايمكننا القول أن الباوند والنصف لتر كانت أفكارًا أنشئتها أقوام القرون الوسطى ، واللتر والطن تم اختراعهم في نهاية القرن الثامن عشر! 

 ان الربط بين ذلك مستحيلاً

ثم أننا نظرنا إلى الشعب السومري الذي عاش في المنطقة التي تُسمى اليوم العراق قبل نحو خمسة آلاف عام ، والتي تُنسب لهم اختراعات مثل الكتابة ، والزجاج و العجلات والساعة والدقيقة والثانية كتقسيم للوقت ، وكذلك دائرة ٣٦٠ درجة مع مع تقسيماتها ٦٠ دقيقة و ٦٠ ثانية من القوس الفلكي والذي شرحناه سابقًا . إنهم أُناسٌ مذهلين تمامًا.

وبعد أن حققنا في إنجازات هذه الحضارة وجدنا أن وحدة الطول التي كان يستخدمها السومريون كانت تقريبًا مترًا في ٩٩.٨٨ سانتي متر ، وانها قد استخدمت ايضًا الأوزان والقُدرات التي كانت مُطابقة تمامًا وبالتساوي مع الكيلو واللتر المستخدم في النظام المتري الفرنسي والذي تم اختراعه لاحقًا بآلاف السنين! 

لقد قلنا أنها مُصادفةً عجيبة ، لكنها لم تكن كذلك أبدًا ، لأننا عندما طبّقنا مبادئ البندول على وحدة الطول السومرية والتي تُسمّى " كوش المزدوج " وجدنا أن الثانية التي يضرب بها البندول والتي تُمثّل ثانية واحدة سيتكوّن دائمًا كوش مزدوج في الطول ، أي أن حساب الطول دائمًا مايكون عددًا مُضاعفًا.

هذا يدل وبدون أدنى شك أن السومريون قد استخدموا البندول لتحديد قياساتهم . لكن السؤال هو : هل استخدموا نفس المبدأ في مشاهدة كوكب الزهرة لاستخدام وحدات قياسهم كما كان الحال مع بُناة الأحجار الصخرية في الجُزِر البريطانية في اختراع وحداتهم؟ 

السجلات السومرية المكتوبة تُخبرنا أن كوكب الزهرة كان يُعتبر الإله إنانا والذي كان له أهمية مركزية لثقافتهم ، لذلك يبدو معقولاً أنهم اتخذوا قياساتهم على نفس المبدأ ، نعم.

إذًا إن كانوا قد استخدموا نفس المبدأ ، فيبدوا من المنطقي أنهم قد اخترعوا قِيَمِهم الخاصة بهم ، لكن مع المحافظة على نفس " البرنامج أو النظام " ولكن بإدخال بيانات خاصة بهم ، فبدلاً من ٣٦٦ درجة للنظام المستخدم في البناء الصخري ، سيتعيّن علينا أن نقول أنه تم استخدام ماهو اقرب عدد لهذا لأول مره وهو ٣٦٠ لدي السومريون ، وعندما نظرنا إلى النتائج بعد تطبيقها على هذا القياس وجدنا انها تطابقت تمامًا.

عندما تم تقسيم الأُفق إلى ٣٦٠ جُزءا ومقارنته مع توقيت وجود كوكب الزهرة- فينوس - في هذا الجزء وفي الوقت المناسب من العام ( كوش المزدوج ) كان متر البندول يُمثّل ٢٤٠ ثانية ، وقد كانت الـ ٢٤٠ ثانية مهمه للسومريون وكانوا يدعونها بـ " كيش " . ولذلك يبدو من المؤكد أن هؤلاء الناس اتبعوا الفكرة المغليثية في انشاء وحدة الطول ومقارنتها مع توقيت حركة كوكب الزهرة في السماء مساءًا.انتهى

لتحميل الكتاب اكتبو who built the moon?

ولقرائته على شكل اجزاء منفصلة اقرؤوه من هذا الموقع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق